أقارب | مُبعَدون

إطلالة على حياة ثلاث عائلات مُشتَتة بين قطاع غزة والضفة الغربية

التالى
صورة: يسرى وإحدى حفيداتها. تصوير: أليكس ليـﭭـاك

في أيلول 2007، وبعد سيطرة حماس على نظام الحكم الداخلي لقطاع غزة، قامت الحكومة الإسرائيلية بالإعلان عن قطاع غزة “كيانًا مُعاديًا“. وقد تَبنّى المجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغَّر للشؤون الأمنية سلسلة من العقوبات على عموم سكان القطاع، ومن ضمنها تقليص تزويدهم بالوقود والكهرباء، إلى جانب فرض تقييدات مُختلفة على دخول البضائع وخروجها. التقييدات المفروضة على تنقّل الأشخاص من قطاع غزة وإليه، والتي بدأت تُفرَض خلال الانتفاضة الأولى عام 1988، تفاقمت في سنوات التسعينيات واشتدت وطأتها مع تطبيق خطة فك الارتباط عام 2005.

مع الوقت، تراجعت إسرائيل عن بعض العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على قطاع غزة. فقد تم رفع التقييدات التي كانت مفروضة على تزويد القطاع بالكهرباء والوقود. وفي العام 2010، في أعقاب أحداث أسطول الحرية، تم السماح مُجددًا بإدخال معظم البضائع المدنية، بما يشمل البضائع التي كان من الممنوع إدخالها خلال سنوات لأسباب مجهولة، مثل الكُزبرة، أُصص الزراعة الفارغة والدُّمى. في اواخر العام 2014، وفي أعقاب العملية العسكرية “الجرف الصامد”، تم السماح، ولو بوتيرة خفيفة، بتسويق البضائع من قطاع غزة في الضفة الغربية، وفي بداية العام 2015، تم السماح بتسويق تلك البضائع في إسرائيل أيضًا. رغم التغييرات التي أُجريَت على التقييدات المفروضة على تنقّل البضائع من وإلى القطاع، فإن معظم التقييدات المفروضة على تنقّل الأشخاص لا زالت على حالها.

ثمانِ سنوات بعد أن فرضت الحكومة الإسرائيلية الإغلاق على قطاع غزة، قليلون هم من يُتاح لهم التنقّل بين القطاع والضفة الغربية. تفرض إسرائيل تقييدات على التنقّل بين شطرَي الأراضي الفلسطينية، وتقتصر ذلك على المرضى المصابون بأمراض خطيرة ومرافقيهم، إلى جانب قائمة من التُجَّار الذين يحملون تصاريح خاصة، و”الحالات الإنسانية الحرجة”. ولا تزال إسرائيل ترفض السماح، على سبيل المثال، للطلبة الجامعيين من قطاع غزة بالدراسة الأكاديمية في الضفة الغربية، حيث لا زال هذا المنع قائمًا منذ العام 2000. وهنالك، إضافة إلى هذا، تقييدات مفروضة على مُغادرة القطاع بهدف الاستكمالات المهنية، أو للمُشاركة في مؤتمرات مُختلفة وتنمية فرص اقتصادية في الضفة الغربية. أما أبناء العائلة الواحدة الذين يعيشون في شَطري الأراضي الفلسطينية، على بُعد ساعة سفر واحدة بالسيارة، فإن فُرَص لقائهم تتلخّص في الأعراس، الأتراح، أو حينما يكون أحد أبناء العائلة في وضع صحّي خطير، وحتى في تلك الحالة، فإن اللقاء يكون محكومًا بمدى قرب الصلة العائلية، ومُلزَمًا بالإجراءات البيروقراطية وخاضعًا لمزاج القائمين على تطبيق سياسة الإغلاق.

وبسبب مساحة قطاع غزة الضيّقة، فإن لفرض التقييدات على نقل البضائع تأثير فوري وواضح على مُعطيات ومؤشرات عامة كمُعدّلات البطالة، عدد المُحتاجين للمساعدات الإنسانية، مؤشرات النمو الاقتصادي، إضافة إلى تأثيرها على القدرة الشرائية للسكان المحليين. بالمقابل، فإن تأثير التقييدات على تنقّل الأشخاص، هو أمر ليس من السهل قياسه أو الإشارة إليه بوضوح. فلا أحد يُسَجِّل عدد المرات التي قام فيها الإخوة باحتضان أخواتهم، وما من جهة قادرة على تقدير عدد المرات المُتبقّية التي تستطيع بها امرأة من قطاع غزة لقاء والديها العجوزين في الضفة الغربية.

أدهم الهبيل وابنته إيناس في بيتهم، رام الله. تصوير: أليكس ليـﭭـاك
أدهم الهبيل وابنته إيناس في بيتهم، رام الله. تصوير: أليكس ليـﭭـاك

في أيلول 2013، بادرت جمعية “ﭼيشاه-مسلك” إلى إجراء استطلاع واسع، لدراسة العلاقات الأُسرية بين سكان قطاع غزة وسكان الضفة الغربية واسرائيل. وقد قام مستطلِعون من طرف المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة بمقابلة 1,270 شخصًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووجدوا أن لدى 26 بالمئة من سكان قطاع غزة أقاربًا في الضفة الغربية. وأن لدى سبعة بالمئة من سكان القطاع أقاربًا من الدرجة الأولى في الضفة. إضافة إلى ذلك، فإن لدى قرابة 15 بالمئة من سكان القطاع أقاربًا في إسرائيل وشرقيّ القدس. بالمُجمل، لدى قرابة 31 بالمئة من سكان قطاع غزة – وهو عدد يربو على النصف مليون شخص – أقارب في شرقي القدس، إسرائيل، أو الضفة الغربية. بحيث أن الغالبية العُظمى منهم غير قادرين على لقاء أبناء عائلتهم الذين يعيشون في هذه المناطق، وذلك كون أن معايير التنقّل محدودة وضيّقة جدًا. ويحدث بين الفترة والأخرى أن يحصل أحد الأحفاد على تصريح للقاء جدّته المُحتضرة؛ أو أن تخرج امرأة لحضور زواج أخيها. أما المعايير المعمول بها فهي لا تشمل أصلًا زيارات لتقديم تعازٍ، مثلًا، إلى أخ توفيت زوجته.

هنالك مئات الآلاف الذين يضطرون للاكتفاء بمحادثة هاتفية أو برؤية بعضهم البعض عبر كاميرات الإنترنت. وحتى هذا الأمر مُقيَّد وفقًا لجدول توزيع الكهرباء الشحيح في قطاع غزة.

حتى أواسط عام 2013، تمكّن سكان قطاع غزة ممن يملكون الإمكانية المادية من لقاء أقاربهم في مصر أو الأردن. وفي حزيران 2013 بدأت قوات الأمن المصرية بإغلاق معبر رفح، الواقع بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية، لفترات متقاربة، أما اليوم فيعمل المعبر فقط لأيام قليلة في الشهر. الأشخاص الذين ينجحون في تسجيل أسمائهم على لوائح الانتظار للتنقّل عبر معبر رفح، وهي لوائح يبلغ تعداد الأسماء فيها اليوم حوالي 12 الف اسم، لا يعرفون متى سيتمكنون من مغادرة القطاع، والأسوأ من ذلك، ليس لديهم أدنى فكرة متى سيُسمَح لهم بالعودة إلى منازلهم، في حال كان الأمر مُمكنًا أصلًا.

عدم إمكانية المشاركة في المناسبات العائلية، السعيدة منها أو الحزينة، تشير إلى المأساة التي يعيشها سكان القطاع. لكن ما يُعتَبر مفهومًا ضمنًا بالنسبة لكل إنسان يتمتع بالحرية – كزيارة نهاية الأسبوع لدى الجد والجدّة، مساعدة ابن عم في إصلاح دراجة هوائية أو اجتماع عائلي للتباحث في قضية مُستعصية – هي أمور غير موجودة حتى في أحلام أبناء الجيل الشاب، وغالبية سكان قطاع غزة، بالمناسبة، هم من الشباب الصغار.

العلاقات الأسرية لا تتلاشى، وكما تثبت سنوات الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، فإن الشوق للقاء الأهل لا يخمد. إن سياسة الفصل، باعتبارها حيلة تهدف إلى تغيير السلطة في قطاع غزة، أو باعتبارها منظومة تسعى لخدمة أمن سكان إسرائيل، قد أثبتت فشلها. إن المعاناة الكبيرة التي يسببها العناد والإصرار الإسرائيلي على التمسّك بهذه السياسة ليس لها أي مُبرر، لا سياسي ولا أمني. والتسهيلات العشوائية التي تدخلها إسرائيل على هذه السياسة، هي خير دليل على فشل هذه السياسة.

في تفاصيل الحياة اليومية لأبناء العائلات المُشتَتة ما بين قطاع غزة والضفة الغربية المشاركين في هذا المشروع والذين وافقوا على منحنا إطلالة على حيواتهم، تكمن القصة الكبرى. إن حياة هؤلاء قد تبدو للناظر من بعيد مكتملة وعادية بقدر الإمكان؛ بيد أن الألم الدائم الناتج عن الحرمان من لمس الأهل، واحتضان الحفيد والحفيدة هو أمر يرافق العائلة وأفرادها طيلة الوقت.

تشكّلت هذه الحالات العينيّة للعائلات الثلاث المُشتَتَة، نتيجة انتقال النساء فيها للسكن إلى جانب أزواجهن في الجهة الأخرى من الأراضي الفلسطينية. الأمر الذي أجبرهن على الابتعاد عن عائلاتهن، اخوتهن واخواتهن وأبناء وبنات الاخوة والاخوات. تُضاعف التقييدات الاسرائيلية المفروضة على تنقّل الأشخاص وسفرهم من صعوبة الأوضاع التي تواجهها النساء على وجه الخصوص، لأنها تحيل خطوة انضمامهن لبيت الزوج الى رحلة باتجاه واحد.

[post id=”82,76,70″]

جزء 1
عائلة صرّاص
عيسى ونسرين ميساك (صرّاص) في بيتهم، قطاع غزة. تصوير: إيمان محمد

غزة | نسرين، ابنة كاترين وابراهيم

تبلغ نسرين اليوم من العمر 36 عامًا، وقد التقت نسرين بزوجها عيسى في الضفة الغربية، حيث وصل إلى هنالك لكي يشتري بضائع لحانوت الملابس الذي يمتلكه في غزة. وقد أمِل كلاهما بالبقاء في الضفة الغربية بعد الزواج إلى جانب عائلة نسرين، لكنهما كانا يعلمان بأن بقاء عيسى في الضفة لا يندرج ضمن المعايير التي حددتها إسرائيل. وفي شهر كانون ثاني، 2011، قررت نسرين الانتقال للسكن مع زوجها عيسى في غزة.

نسرين حاصلة على البكالوريوس في العمل الاجتماعي وعلم النفس، إضافة إلى ماجستير في الدراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان. بعد انتقالها إلى غزة ببضعة شهور، في آب 2011، تم قبول نسرين للعمل في مؤسسة Handicap International وتمت ترقيتها بسرعة إلى منصب مُركّزة العلاقات الخارجية. وبالنسبة للكثيرين الآخرين في قطاع غزة فإن نسرين تُعتَبر “محظوظة”؛ فمنذ انتقالها إلى هناك، نجحت في لقاء عائلتها ثلاث مرات (رغم أن مسار زيارتها، في إحدى المرات، قد استغرق قرابة الشهر إيابًا وشهر ذهابًا، عن طريق مصر والأردن).

عيسى ونسرين ميساك (صرّاص) في بيتهم، قطاع غزة. تصوير: إيمان محمد

لا زال من الصعب على نسرين إدراك هذا الانقطاع عن عائلتها. فحين اضطرت لدخول المستشفى وهي في غزة، رافقتها أخوات زوجها هناك. كما ولم تتمكن نسرين من زيارة والدتها، التي خضعت لعملية جراحية في منطقة الركبة. بدأت جمهورية مصر العربية، في أواسط العام 2013، بإغلاق معبر رفح لفترات أطول وأكثر تقاربًا. نتيجة لذلك، أصبح معبر إيرز بوابة الخروج الرئيسية لسكّان قطاع غزة، ولا زالت نسرين أسيرة “لحسن نوايا” السلطات الإسرائيلية، حيث أن إقامتها في القطاع ليست قانونية، وزيارتها إلى الضفة الغربية تتعارض والإجراءات الإسرائيلية.

تتحدث نسرين مع والدتها كل صباح قبل ذهابهما للعمل، ومساءً حينما تعودان إلى المنزل، ونجحت كاترين بزيارة ابنتها مرة واحدة فقط في العام 2011، بعد دخولها إلى غزة عبر معبر رفح، وهي تحلم بأن تتمكن نسرين من زيارتها بوتيرة أكبر.

لا تعلمان، كلتيهما، إذا كانت إسرائيل ستسمح لنسرين بدخول الضفة الغربية للمشاركة في حفل خطوبة أخيها أو أعياد ميلاد أبيها أو عيد ميلاد جُزيل، ابنة أختها، التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات، وهي مُقرّبة جدًا من نسرين. “تسألني جُزيل كثيرًا عن نسرين، وعن متى نستطيع مقابلتها ثانية”، تقول كاترين، “إنها تقول ‘سأعدّ حتى المئة وستكون عمتي هنا‘. وأنا لا أعرف كيف يتوجب عليّ أن أجيبها”.

وأثناء العملية العسكرية الإسرائيلية في الصيف الماضي، مرّت العائلة بظروف صعبة بشكل خاص. فقد تابع جميع أفراد العائلة نشرات الأخبار عن كثب، محاولين استيفاء معلومات حول وضع ابنتهم نسرين هناك. بعد انتهاء العملية العسكرية، وبعد أن تم تصويرهم ومقابلتهم لهذا المعرض، خرج كل من نسرين وعيسى عبر معبر رفح بهدف تلقّي علاج طبّي في بلجيكا، حيث يتواجدان هنالك حتى اليوم. وتتواصل نسرين بشكل يومي مع والدَيها في الضفة. “ليس هنالك أي إمكانية لعودة نسرين إلى القطاع، انتهينا من هذا الأمر”، تقول والدتها بحسم.

كاترين وإبراهيم صرّاص، والدا نسرين، في حديقة بيتهم، بيت جالا. تصوير: أليكس ليـﭭـاك
كاترين وإبراهيم صرّاص، والدا نسرين، في حديقة بيتهم، بيت جالا. تصوير: أليكس ليـﭭـاك

الضفة الغربية | كاترين وابراهيم صرّاص، والدَي نسرين

كاترين جريس يوسف صرّاص، 57 عامًا، تعمل في دير السليزيان في بيت لحم. إبراهيم عودة صرّاص، 61 عامًا، يعمل اليوم، وبشكل غير ثابت، في مجال البناء. إبنتهما، أخت نسرين، عبير ابراهيم عودة قمصية، ابنة 29 عامًا، تعمل في مشغل لتذكارات مصنوعة من خشب الزيتون والفخار، متزوجة وأم لطفلة صغيرة – جُزيل. الأخ، عودة ابراهيم عودة صرّاص، 28 عامًا، يعمل موظفًا في بنك فلسطين. الأخت الأخرى، نيفين، 23 عامًا، مُقيمة في الولايات المتحدة حيث أنهت رسالة الدكتوراة في اللاهوت حول العهد القديم وهي الآن تتخصص تمهيدا لتلقي شهادة “قسيسه”. لدى نسرين أيضًا اخت اسمها سهى، والتي أصيبت بمرض السرطان وتوفيت عن عمر يناهز 28 عامًا.

كانت المرة الأخيرة التي رأت فيها كاترين ابنتها وجهًا لوجه في العام 2013، وذلك خلال زيارة نسرين الأخيرة إلى بيت جالا. يتجهّز أخ نسرين للزواج، ابنة الأخ في شوق دائم، عيد ميلاد والد نسرين يمر بشكل دوري، لكن العائلة لا تعرف متى ستحصل نسرين على تصريح مرور، وإن كان ذلك سيحصل أصلًا.

كاترين صرّاص وحفيدتها جُزيل في بيتها، بيت جالا. تصوير: أليكس ليـﭭـاك
كاترين صرّاص وحفيدتها جُزيل في بيتها، بيت جالا. تصوير: أليكس ليـﭭـاك

لقد كانت نسرين دائمًا في مركز العائلة، كما تقول كاترين. إنها  إنسانة كريمة وحساسة تجاه الآخرين، وهي تضع سعادة أي من أبناء العائلة قبل سعادتها. عندما أصيبت سهى، أخت نسرين، في مرض السرطان، كانت نسرين على وشك الانتقال مع زوجها إلى قطاع غزة، وبدلًا من الانتقال إلى هنالك، فقد مَكثت إلى جانب أختها في المستشفى نهارًا وليلًا حتى توفيت سهى.

لقد واجهت العائلة مصاعبًا جمّة أثناء العملية العسكرية “الجرف الصامد”، تستذكر كاترين. لقد كان التلفزيون يعمل دون توقف، جميعنا كنا نُتابع الأخبار عن كثب، ونحاول الحصول على أية معلومات عن نسرين. إلا أن الأيام التي بلا حروب هي أيضًا ليست بسيطة. لقد تعبت كاترين من التوجّه مرارًا إلى مكتب التنسيق والارتباط للتقدم بطلبات استصدار تصاريح لزيارة ابنتها. فهي قد أجرت عملية جراحيّة في الرُكبة، وصار المشي أصعب عليها، وهي تحاول، في كل عام، استصدار طلب دخول إلى القدس لنسرين، وذلك تحسبًا إذا ما قامت إسرائيل بالسماح لها بالخروج من غزة في الأعياد المسيحية، لكن نسرين لم تحصل على تصريح أبدًا.

تأتي المناسبات العائلية مُتلاحقة، ونسرين ليست في الضفة الغربية. لم تتمكن نسرين من الحضور لحفل افتتاح البيت الذي بَنته العائلة لأخيها المخطوب منذ عام 2013، مثلًا. وقد قام أخوها، عودة، بتأجيل زواجه، آملًا أن تتمكن نسرين من المشاركة في حفل الزفاف. وفي هذه الأثناء، تتحدث كاترين مع ابنتها مرتين يوميًا، باستخدام السكايب والفيسبوك. “نحن نريدها سعيدة، مرتاحة، وأن تتمكن من زيارتنا متى عنّ لها الأمر،” تقول كاترين.

جزء 2
عائلة ياغي
نصر وسلوى ياغي وابناءهم في بيتهم، قطاع غزة. تصوير: إيمان محمد

غزة | نصر وسلوى ياغي، والدا آلاء

يبلغ نصر ياغي من العمر 59 عامًا، وهو مُدرّس لموضوع الفيزياء في إحدى المدارس الثانوية في قطاع غزة. وفي عام 2013 غادرت آلاء، وهي إحدى أولاده الخمسة، القطاع مع زوجها وولديهما الصغيرين، ولم يلتقِ نصر بابنته، أو بزوجها، أو حفيديه، منذ ذلك الحين.

حصل نصر على بكالوريوس في الفيزياء من إحدى الجامعات المصرية في العام 1980، وقد عمل طيلة 15 عامًا في وظيفة حكومية، وهو اليوم حاصل على شهادة ماجستير، التي أكملها في عام 2005. لقد كان الوضع في غزة، كما يقول، آنذاك في نهاية سنوات التسعينيات أفضل من اليوم بكثير. وتعمل سلوى، زوجة نصر، كمُعلمة لمادة العلوم. أولادهما الخمسة بالغون الآن: محمد (32)، آلاء (30)، أحمد (28)، روان (22)، وخالد (19). تزوجت آلاء قبل خمس سنوات من أدهم (35) الذي يعمل في السلطة الفلسطينية. وفي بداية العام 2013 اختار الزوجان الانتقال إلى الضفة الغربية مع ولدَيهما، وذلك لكي يكونا قريبين من والدَي أدهم. وكان على الزوجان الاختيار بين البقاء بجانب والدَي آلاء في غزة ووالدَي أدهم في الضفة الغربية، ولأن والديَ أدهم كانا يخضعان للعلاج الطبي في الضفة، آنذاك، فقد قررا الانتقال للسكن إلى جانبهما.

 

سلوى ياغي وابنها في بيتهم، قطاع غزة. تصوير: إيمان محمد
سلوى ياغي وابنها في بيتهم، قطاع غزة. تصوير: إيمان محمد

 

لم تنجح آلاء بتلقي تصريح لزيارة والدَيها منذ ذلك الحين، ولم يحاول الوالدان حتى التقدّم لطلب تصريح لزيارة الضفة الغربية. تعذّر على آلاء الحضور إلى منزل عائلتها في قطاع غزة عندما تم قبول أختها روان للدراسة في جامعة أوكسفورد، ولم تحضر أيضًا حفل وداعها. ومن المفترض أن يتزوج إخوة آلاء خلال الصيف الحالي، ويسود القلق العائلة من ألّا تحصل آلاء على تصريح دخول إلى غزة. “كل شيء صار أصعب الآن،” يقول نصر، الذي تتواجد إحدى بناته على الطرف الآخر من العالم، والأخرى على الطرف الآخر من معبر إيرز. “إن منزلًا بلا بنات هو منزل بلا روح”.

آلاء الهبيل (باغي)، ابنة نصر وسلوى، مع زوجها أدهم في بيتهم، رام الله. تصوير: أليكس ليـﭭـاك
آلاء الهبيل (باغي)، ابنة نصر وسلوى، مع زوجها أدهم في بيتهم، رام الله. تصوير: أليكس ليـﭭـاك

الضفة الغربية | آلاء، ابنة نصر وسلوى ياغي

آلاء، وهي اليوم ابنة 30 عامًا، انتقلت مع زوجها، أدهم (35)، إلى الضفة الغربية مع ولديهما، إيناس (6) و عبدالرحمن (4). عمل أدهم مع السلطة الفلسطينية في القطاع طيلة سنوات، حتى بعد سيطرة حماس على غزة عام 2007. وفي شباط 2013 سمحت إسرائيل لأدهم بالدخول إلى الضفة الغربية. حيث خضع والداه، آنذاك، للعلاج الطبي، وأراد التواجد إلى جانبهما. بعد ثلاثة شهور من انتقاله للضفة الغربية انضمت إليه آلاء والأطفال، تاركين وراءهم والدَي آلاء وإخوتها.

إيناس وعبد الرحمن، أبناء أدهم وآلاء. تصوير: أليكس ليـﭭـاك
إيناس وعبد الرحمن، أبناء أدهم وآلاء. تصوير: أليكس ليـﭭـاك

حصلت آلاء وزوجها أدهم على تصريح يسمح لهما بالانتقال للسكن في الضفة الغربية. ولكن كان هنالك ثمن لهذا التصريح النادر الذي تلقّياه: فمنذ انتقالهما للضفة الغربية، لم تتمكن آلاء من زيارة عائلتها في غزة. حتى عندما وصلت أختها، روان، إلى القدس لإجراء مقابلة الحصول على تأشيرة الدخول في القنصلية البريطانية، لم تتمكن آلاء من لقائها لأنها لم تكن تملك تصريحًا بالدخول إلى القدس من الضفة الغربية بينما لم يكن لدى أختها، بالمقابل، تصريح دخول إلى رام الله. بينما تمكّنت آلاء من لقاء أخيها محمد، الذي كان يحمل تصريحًا حصل عليه بموجب عمله في هيئة دولية وتمكن من الوصول إلى الضفة الغربية مرتين في إطار عمله. لم يحاول الوالدين حتى أن يطلبوا تصريحًا لزيارة الضفة الغربية، حيث لا تنطبق عليهم معايير التنقّل التي تفرضها إسرائيل. ولم يحظيا برؤية ابنتهما منذ مغادرتها لقطاع غزة، سوية مع زوجها وأطفالهما الصغار. بيد أنهما يتحدثان معهم كل مساء، سواء عبر السكايب أو الهاتف.

احتاجت إيناس، ابنة آلاء، مدة من الزمن للاعتياد على البيئة السكنية الجديدة في الضفة الغربية: في حضانة الأطفال، وبقرب أبناء عمومتها الذين كانت بالكاد تعرفهم. أما اليوم، فإنها بالغة بما يكفي لتدرك أنه ليس باستطاعتها زيارة جدها وجدتها، لكنها لا تزال تذكرهما، وتطلب من والدها أن يستصدر لها تصريحًا لكي تتمكن من رؤية جدها وجدتها والبحر في غزة.

جزء 3
عائلة أبو سيدو
يسرى أبو سيدو وثلاث من حفيداتها في بيتها، غزة. تصوير: إيمان محمد

غزة | يسرى وعبد أبو سيدو، والدا سماح

يسرى أبو سيدو، 60 عامًا. عام 2007، انتقلت ابنتهم الكبرى، سماح، للسكن مع زوجها في الضفة الغربية، ومنذ ذلك الحين نجحت يسرى بلقاء ابنتها مرتين فقط. لم تحضر لا هي ولا زوجها، عبد أبو سيدو (62 عامًا)، حفل زفاف ابنتهما الذي عُقِد في الضفة الغربية. ولم يتمكنوا من زيارة سماح حينما أنجبت ولديها، حفيديهما. كما ولم تتلقَّ سماح تصريحًا للمشاركة في زفاف أخيها في قطاع غزة، في العام 2008.

يسرى وعبد أبو سيدو متزوجان منذ 39 عامًا. حينها عمل عبد تاجرًا للزجاج، وبعد عام واحد وُلدَت سماح، ابنتهما البكر، وبدأت يسرى بالعمل كمُعلمة في إحدى مدارس غزة الابتدائية. واصلت يسرى العمل في مجال التدريس على مدار 12 عامًا، إلى أن استصعبت المواءمة بين عملها وبين الاهتمام بأطفالها الثمانية. كما ولم تصمد تجارة الزجاج التي كان عبد يُمارسها تحت وطأة الإغلاق المفروض على قطاع غزة.

عبد أبو سيدو واثنين من أحفاده في بيته، غزة. تصوير: إيمان محمد
عبد أبو سيدو واثنين من أحفاده في بيته، غزة. تصوير: إيمان محمد

أراد الوالدان جدًا مقابلة رائد – عريس ابنتهما سماح العتيد – قبل انعقاد الزواج، لكنهما لم يحصلا على تصريح لزيارة الضفة، ولم يحظَ العريس أيضًا بتصريح للدخول إلى غزة. ولأنهما لم يتمكنا من لقاءه، حاولا الاستفسار والحصول على معلومات عنه عبر أصدقاء وزملاء من الجامعة التي كان يعمل رائد مدرسًا فيها. وفي نهاية الأمر قررا أن يستغلا تصريح الخروج الذي يملكه عمّ سماح، فأرسلاه لمقابلة رائد في رام الله.

يسرى، التي لم تخرج قط من حدود الأراضي الفلسطينية، تمكّنت من زيارة الضفة الغربية في العام 2011، حينما رافقت ابنها أحمد، في سلسلة من العلاجات التي أجريت له في مشفى أريحا. أصيب أحمد جرّاء اشتباك داخلي في غزة في العام 2008، وخرج مع والده، عبد، لتلقّي العلاج في مشفى إسرائيلي، وفيما بعد، توجّه لقضاء فترة التأهيل في مشفى أريحا. حينما خرجت يسرى لمرافقة ابنها لم تلتقِ فقط بسماح وأحمد، بل وبزوجها أيضًا، الذي كان قد أمضى إلى جانب ابنه طيلة العامين الماضيين. وقد بقيت يسرى مع ابنها لفترة تُقارب الثلاثة شهور. التقت يسرى خلال هذه الزيارة للمرة الأولى بحَفيدها، الذي كان قد وُلِدَ قبل مجيئها بثلاثة شهور. عندما حملت سماح مرة أخرى، لم تتمكن يسرى من الحصول على تصريح بهدف زيارتها. التقت سماح بوالدتها مرة أخرى، وأخيرة، في كانون أول 2014. وقد املت سماح أن تحصل على تصريح دخول إلى غزة لكي تُشارك في زفاف أخيها، إلا أنها قد تلقَّت التصريح بعد أسبوعين من موعد الزفاف.

يتواصل كل من يسرى وعبد مع ابنتهم سماح عبر الهاتف والحاسوب، ويقولان بأن وسائل الاتصال هذه تخفف قليلًا من حدّة الشوق. تحلم يسرى بمعبر آمن، يُمَكّنها من لقاء ابنتها وحفيدَيها كلما شاءت. في بداية العام 2015 نجح عبد بالحصول على تصريح تاجر، وقد تمكّن من زيارة الخليل مرة واحدة عبر هذا التصريح، من دون أن يرى ابنته آنذاك. يحاول اليوم عبد استصدار تصريح لزوجته من دون نجاح. ويأملان بأن تنجح ابنتهما في الحصول على تصريح دخول إلى غزة، لكن المحاولات، حتى الآن، قد باءت بالفشل.

سماح زحالقة (أبو سيدو)، ابنة عبد ويسرى، وأبناءها زينة وعبد الرحمن في بيتها، جنين. تصوير: أليكس ليـﭭـاك
سماح زحالقة (أبو سيدو)، ابنة عبد ويسرى، وأبناءها زينة وعبد الرحمن في بيتها، جنين. تصوير: أليكس ليـﭭـاك

 

الضفة الغربية | سماح، ابنة يسرى وعبد

سماح، 38 عامًا، من مواليد غزة، تعيش في جنين مع زوجها رائد، (44 عامًا) وولديهما، عبدالرحمن (5) وزينة (3). تعمل سماح كمُركّزة مشاريع في مؤسسة World Vision؛ بينما يعمل رائد، وهو من مواليد الضفة الغربية، كمُحاضر في جامعة القدس المفتوحة.

التقت سماح برائد في رام الله. فبعد تخرّجها من قسم دراسة التمريض في الجامعة الاسلامية في غزة، وجدت عملًا كمُمَرضة في المشفى الأردني في القطاع، وكذلك في مؤسسة Action Against Hunger الدوليّة. وعلى ما يبدو، وبسبب عملها في المؤسسة الدولية، تمكَّنت سماح من الحصول على تصريح خروج إلى مؤتمر عقد في رام الله، وهنالك التقت برائد، ووقعا في الحب منذ اللحظة الاولى للقائهما. وقد انتقلت سماح للسكن بجانب حبيبها في الضفة الغربية. وبعد ذلك بفترة قصيرة، سيطرت حماس على نظام الحكم الداخلي في قطاع غزة، وشددت إسرائيل من القيود المفروضة على التنقّل من قطاع غزة وإليه. وبذا، لم يحضر والدا سماح حفل زفاف ابنتهما.

عبد الرحمن، ابن سماح، في بيتهم في جنين. تصوير: أليكس ليـﭭـاك
عبد الرحمن، ابن سماح، في بيتهم في جنين. تصوير: أليكس ليـﭭـاك

تخصصت سماح في مجال التمريض، وتعمل اليوم كمُرَكِّزة مشاريع في مؤسسةWorld Vision الدولية، بينما زوجها، رائد، حاصل على الماجستير في تكنولوجيا المعلومات والهندسة الإلكترونية. لم يشارك أي من أبناء عائلة سماح في حفل زفافها، كما وتعذّر على سماح حضور جنازة جدتها وابن عمها في غزة؛ ولم تحضر ولادة أبناء أخيها أو حفل تخريج أخيها.

في سنواتها الأولى في جنين، كانت سماح تخشى الخروج من المدينة والتنقّل بشكل حر داخل مناطق الضفة الغربية، حيث سُجِّلَ في بطاقة هويتها بأنها من سكان غزة، بحيث كان من المُمكن أن تقوم السلطات الاسرائيلية بطردها إلى القطاع. إلا أنها قد تمكّنت، في السنوات الأخيرة، من تغيير عنوانها المُسَجَّل في بطاقة الهوية إلى الضفة الغربية.

التقت سماح بوالدتها مرتين منذ خروجها من قطاع غزة. المرة الأولى كانت عام 2011، حين قامت والدتها، يسرى، بمرافقة أخاها الذي أُصيبَ خلال اشتباك داخلي في غزة، ومرّ بفترة تأهيل في مشفى أريحا. والمرة الثانية كانت في العام 2013 حين سافرت سماح إلى مصر، على أمل أن تتمكن من دخول القطاع عبر معبر رفح. بيد أن مصر قد قررت في تلك الفترة إغلاق المعبر وتقليص تنقّل الأشخاص عبره، وفقدت سماح، بذا، هذه الفرصة. وفي نهاية الأمر طلبت سماح تصريحًا من السلطات الاسرائيلية، على أمل أن تتمكن من حضور زواج أخيها. وقد تلقّت التصريح، إلا أن الوقت كان قد فات، ودخلت سماح إلى غزة بعد أسبوعين من عقد قران أخيها.