غزّة: نظرة من الداخل

ارتفاع في معدل البطالة، نقص حاد في المياه النظيفة، انقطاع الكهرباء يوميًا، مجتمع شاب ومتعلم ومليء بالقدرات، وسياسة إسرائيلية تنتهك الحقوق الأساسية وتعيق تطوير الاقتصاد. الدليل الشامل للإغلاق على غزة

التالى

غزة هي عبارة عن مساحة أرض ضيقة تقع بين إسرائيل ومصر والبحر الأبيض المتوسط​، تمتد على مساحة 365 كيلومترًا مربعًا. يعيش مليوني نسمة، نصفهم من الأطفال دون سن 18 عامًا، في كثافة سكانية هي من الأعلى في العالم. نظرًا للبنية التحتية المهترئة في القطاع، يصل امداد الكهرباء لساعات معدودة في اليوم، بينما يعاني الكثير من السكان من النقص في مياه الشرب النظيفة. يضطر حوالي 70% من سكان غزة إلى اللجوء للمساعدات الإنسانية للحصول على احتياجاتهم الأساسية. الغالبية العظمى منهم لا يستوفون المعايير القليلة التي حددتها إسرائيل لمنح تصريح عبور، وبالتالي فإن وصولهم إلى الفرص والعمل والتعليم محجوب، وكذلك لأقاربهم الذين يعيشون في إسرائيل والضفة الغربية والخارج.

يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن خطة “فك الارتباط” التي نفذّت في نهاية صيف 2005، تعفي إسرائيل من أي مسؤولية تجاه ما يحدث في القطاع، لكن إسرائيل ما زالت تمنع الخروج والدخول من وإلى قطاع غزّة عبر البحر والجو، إلى جانب سيطرتها على كافة المعابر البريّة فيها باستثناء معبر رفح وبوابة صلاح الدين الخاضعين لسيطرة مصر. تقوم إسرائيل بفحص وتصنيف جميع البضائع المخصصة لدخول غزّة عبر معبر كرم أبو سالم، وتطالب بمعرفة الأهداف وراء إدخالها، مستلميها وممولّيها. كما وتقرر إسرائيل أي من المنتجات المصنوعة في غزة تُسَوَّق خارجها، بأي كمية وفي أي وقت. تقرر إسرائيل كذلك كمية الكهرباء التي تبيعها للقطاع وتتلاعب بها كما يحلو لها. تغلق إسرائيل المعابر إلى غزة ومنطقة الصيد مرارًا وتكرارًا كوسيلة ضغط وعقاب للسكان. حتى في الأيام العادية، وفي خضم هجماتها المتكررة على قطاع غزة، تفرض إسرائيل حظرًا شاملًا على حركة الأشخاص والبضائع، مما يحد من فرص العمل والدراسة امام السكان، ويعيق التنمية الاقتصادية، وينتهك حقوق السكان الأساسية. هذا ليس فك ارتباط، بل سيطرة عن بعد.

ملخص الفصول الأخيرة

في 11 أيلول 2005 سحبت إسرائيل آخر جنودها من قطاع غزّة. في العام 2007، وبعد سيطرة حماس بالقوة على القطاع، أعلن المجلس الوزاري السياسيّ الأمنيّ المصغر (الكابينِت) عن غزّة “منطقةً معادية” وشدد التقييدات المفروضة على سكّانها بشكل حاد: تمّ تقليص دخول البضائع المسموح بها إلى ما تعرّفه إسرائيل على أنه الحدّ الأدنى لمنع أزمةٍ إنسانيّة في غزة، ومنع خروج البضائع من القطاع لأغراض تّسويقية تمامًا؛ قلّصت كمية الوقود المعد لدخول لغزة، ومنعت حركة الأشخاص بين قطاع غزّة والضفّة الغربيّة وإسرائيل، والتي كانت أصلًا محدودة جدًا.

على مر السنين طورت إسرائيل نهج اطلقت عليه اسم”سياسة الفصل“، جوهر هذه السياسة هو محاولة عزل قطاع غزّة عن الضفّة الغربيّة وإسرائيل، وعرقلة إقامة العلاقات بين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم المختلفة. لا تتشارك الضفة الغربية وغزة بالهوية القومية، واللغة، والثقافة، والعلاقات الاقتصادية والعائلية فحسب، بل وكان من المفترض أن تشكّل كلاهما الدولة الفلسطينيّة بحسب القرارات الدولية والاتفاقيات السياسية. ادعت جهات أمنيّة إسرائيلية في السابق أن سياسة الفصل هذه تهدف للضّغط على حماس ومساعدة السّلطة الفلسطينيّة، لكن في الواقع، لا تخدم هذه السّياسة أهدافًا أمنية بالضرورة، بل ديمغرافية-سياسية: تقليل عدد الفلسطينيين الذين يسكنون الضفة الغربية، إضعاف المؤسسات الفلسطينية التي يفترض أن تكون أساسًا لبناء دولة، والمضي قدمًا مع خطة ضم أراضي الضفة الغربية على حساب حقوق الإنسان. بسبب هذه السياسة لم يتمكن الفلسطينيون في غزة من الدراسة في جامعات الضفّة الغربيّة، كما منع عبور الطّواقم الطّبيّة، وعمال مؤسسات المجتمع المدني، والأكاديميّين والخبراء التقنيّين من وإلى المنطقتين حتى لو كان ذلك بهدف المشاركة في التدريبات والتأهيل المهنيّ. لا يستطيع أبناء العائلات المفرقة بين غزة والضفة لقاء بعضهم البعض إلاّ في حالات استثنائية وخاصة.

تم إلغاء أو تغير بعض التقييدات منذ عام 2007، كما سنفصل لاحقًا، لكن الإغلاق على غزة لا يزال كما هو، هذا على الرغم من عدم تحقيقه لهدفه المعلن بحسب اسرائيل، “اسقاط حماس“، ولم يحد من إطلاق الصواريخ على إسرائيل. رغم الادعاء الإسرائيلي أن التقييدات هي ضرورة أمنيّة، إلا أن الكثير منها لا يهدف إلى تلبية احتياجات أمنية ملموسة، ولا يمكن تبريرها على هذا النحو. أدت هذه التقييدات إلى تدهور الأوضاع في قطاع غّزة حتّى توقع خبراء الأمم المتّحدة أن القطاع لن يكون صالحًا للمسكن حتّى العام 2020، وهو ما حصل حتى قبل ذلك. إن الاغلاق على غزة، الذي اعترفت إسرائيل سابقًا أنه أيضًا أداة لحرب اقتصادية، يشكل جزءًا من نظام أوسع بهدف السلب والتقسيم وجرائم الفصل العنصري (أبارتهايد) ضد الفلسطينيين.

ازداد الوضع سوءا في غزة منذ آذار الماضي مع تشديد التقييدات التي تفرضها إسرائيل على حركة الأشخاص في معبر إيرز، وهي خطوة تم تقديمها كإجراء وقائي ضد انتشار وباء كورونا. في ظل “إغلاق الكورونا” التي تفرضه إسرائيل قُلّصت أكثر الإمكانيات الضيقة أصلًا للحصول على تصريح. في أيار 2021، دمر أكبر عدوان على غزة منذ عام 2014 مناطق بأكملها في القطاع. لا تزال التقييدات الاسرائيلية المفروضة على التنقل تؤخر أعمال الإصلاح والاعمار والتنمية في قطاع غزة على حساب سكانه.

يُرجى الضغط على الخارطة لتكبيرها

جزء 1
الجزء الأول: حركة وتنقل الأشخاص
الجزء الأول: حركة وتنقل الأشخاص
معبر إيرز, 2019. تصوير: أسماء الخالدي

معبر إيرز

اليوم، يتم استخدام معبرين فقط لتنقل الأشخاص من غزّة وإليها: معبر رفح نحو مصر، ومعبر إيرز نحو اسرائيل. عندما يكون معبر رفح مغلقًا، يكون معبر إيرز، التابع لإسرائيل، البوّابةً الوحيدةً للخروج أو الدخول من غزّة وإليها. حتى عندما يكون معبر رفح مفتوحًا، معبر إيرز هو الوحيد الذي يربط غزة، وإسرائيل والضفة الغربية. الحركة بين هؤلاء الأماكن الثلاثة ضرورية ليس للاقتصاد الفلسطيني فحسب، بل للنسيج الاجتماعي الفلسطيني ولممارسة حياة اجتماعية وعائلية طبيعية.

تسيطر إسرائيل على حركة المرور في المعابر بين غزة وإسرائيل والضفة الغربية. على الفلسطينيين الراغبين بدخول غزة أو الخروج منها عبر معبر إيرز الحصول على تصريح من إسرائيل. من أجل التقدم بطلب للحصول على تصريح، على المتقدم/ة بالطلب استيفاء قائمة معايير محدودة ينشرها منسق اعمال الحكومة الاسرائيلية (المنسق). ويحدث كثيرا أن تحظر امكانية التنقل فعليًا حتى للذين يستوفون المعايير. على سبيل المثال، يتلقى تجار إشعارًا مفاجئًا أحيانًا بإلغاء تصاريحهم “لأسباب أمنية“، دون أي تبرير، حتّى حين يكون هؤلاء رجال أعمالٍ قدامى ومعروفين ممن خرجوا ودخلوا على مدار سنوات وتاجروا (بالأساس اشتروا من) داخل إسرائيل.

حتى آذار 2020، حيث فرضت إسرائيل “إغلاق كورونا“، كانت الحركة من خلال معبر إيرز ممكنة لواحدة من ثلاث فئات: من يحمل تصريح تجارة، المرضى ومرافقيهم، والحالات التي تحددها إسرائيل على أنها “إنسانية استثنائية”، بما في ذلك حفل زفاف أو جنازة قريب عائلة من الدرجة الأولى أو زيارة قريب يحتضر. المدة الزمنية التي تستغرقها معالجة الطلبات، حتّى تلك التي تفي بالمعايير القليلة، طويلة بشكل مبالغ فيه. وفقًا للإجراءات الاسرائيلية الرسمية، معالجة طلبات للخروج من غزة بهدف زيارة أحد الوالدين أو ابن مريض يمكن ان تستغرق حتّى 50 يوم عمل، وطلب مريض للخروج من القطاع لتلقّي علاج طبيّ قد يبقى قيد البحث لمدة 23 يوم عمل، دون أخذ موعد العلاج بعين الاعتبار. في كثير من الحالات لا ترد السلطات في إسرائيل على الطلبات في الوقت المحدد، ، او لا ترد عليها على الإطلاق.

قبل اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000، سجلّت حوالي نصف مليون حالة خروج شهريًا من غزة للعمال فقط، ممن كانوا يغادرون القطاع يوميًا عبر معبر إيرز للعمل في إسرائيل. للمقارنة، بلغ معدل حالات خروج الفلسطينيين الذين غادروا غزة خلال العام 2019 عبر معبر إيرز 14,960 شهريًا. منذ فرض إغلاق الكورونا في آذار 2020، انخفض عدد المغادرين عبر معبر إيرز أكثر: معدل ​​عدد المغادرين في النصف الأول من العام 2021 كان حوالي 6% من معدل عدد المغادرين في الأشهر التي سبقت تشديد “إغلاق الكورونا” (كانون الثاني وشباط 2020). هذا تفاقم ملحوظ للإغلاق الذي شددته إسرائيل في العام 2007. يُسمح حاليًا بالمرور عبر معبر إيرز لمرضى قليلين فقط ممن يحتاجون رعاية طبية ضرورية، ولعدد قليل من الحالات الأخرى. في آب 2021، بعد عام ونصف تم خلاله منع الحركة بغرض العمل والتجارة بشكل كامل، سمحت إسرائيل مرة أخرى لعدد صغير من التجار بمغادرة قطاع غزة عبر معبر إيرز.

بالإضافة إلى التقييدات الشاملة على حركة الفلسطينيين التي تفرضها إسرائيل في الأيام العادية، غالبًا ما يستخدم إغلاق المعابر كإجراء عقابي. على سبيل المثال، في العام 2019، أغلقت إسرائيل، أو قيّدت بشكل كبير نشاط المعابر بـ 11 ايام (لا يتضمن تسكير المعبر في الأعياد او أيام الانتخابات). خلال العدوان على قطاع غزة في أيار 2021، أغلقت إسرائيل معبر إيرز بشكل كامل، واستمرت في فرض تقييدات إضافية على حركة الأشخاص من خلاله حتى بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار.

 

معبر رفح

يقع معبر رفح على الحدود بين قطاع غزة ومصر. منذ النصف الثاني من عام 2012 وحتى منتصف العام 2013، عمل المعبر بشكل منتظم، حيث تم تسجيل حوالي 40 ألف حالة دخول وخروج من قطاع غزة عبره شهريًا.  بين تموز 2013 حتى منتصف 2018 كان المعبر مغلقًا معظم الوقت. في أيار 2018، ومع تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة وبداية “مسيرات العودة”، بدأت مصر تفتح المعبر بشكل أكثر انتظامًا. نظراً للوضع الاقتصادي الصعب، استغل شباب كثيرون فتح المعبر المنتظم للبحث عن مستقبل خارج القطاع.

في آذار 2020 أغلقت مصر المعبر على خلفية الخطر من انتشار فيروس كورونا، وسمحت لعدد قليل من سكان غزة بالعودة إليها من مصر في وقت إلى آخر. في شباط  2021 أعلنت مصر عن فتح المعبر مجددًا “حتى إشعار آخر”، وهو يعمل منذ ذلك الحين خمسة أيام في الأسبوع، باستثناء فترة وجيزة خلال آب 2021. في الفترة ما بين شباط وحزيران 2021، تم تسجيل حوالي 14,000 حالة دخول وخروج شهريًا من معبر رفح.

حتى عندما يتم فتح معبر رفح بشكل منتظم، يسمح بالخروج عن طريقه فقط لمن يستوفون المعايير التي تحددها مصر وبشرط التسجيل المسبق: سكّان غزّة أصحاب الجوازات المصريّة أو الأجنبيّة، المرضى ممن يملكون تحويل رسميّ للعلاج الطبيّ، الطلّاب أو المواطنين الذين يملكون تأشيرة دخول إلى دولة ثالثة بسبب عملهم أو بسبب وجود عائلتهم هناك. الكثيرون ممن يريدون السفر لا يستوفوا هذه المعايير. فترة الانتظار للحصول على تصريح للمرور عن طريق رفح طويلة، والسفر عن طريق سيناء معقّد وخطير في كثير من الأحيان.

المرور عبر رفح ليس حلاً للأشخاص الذين يريدون الوصول من غزة إلى إسرائيل أو الضفة الغربية. كما أن الدخول إلى الضفة الغربية، حتى عن طريق الأردن، مشروطة بالحصول على تصريح إسرائيلي. بالإضافة، إسرائيل تمنع المغادرين عن طريق معبر رفح بالعودة للقطاع عن طريق معبر إيرز، وهذا يضع العديد من السكان أمام خيار صعب: إذا غادروا عبر رفح وأغلق المعبر، فقد يُمنعون من العودة إلى القطاع.

 

500,000
حالات الخروج عبر ايرز (المعدل الشهري 2000)
حتى اندلاع الانتفاضة الثانية، كان عشرات الآلاف من الفلسطينيين يعبرون من خلال معبر إيرز يوميًا
حوالي 5,000
حالات الخروج عبر ايرز (المعدل الشهري 2020)
انخفض عدد المغادرين عبر معبر إيرز بنسبة 96٪ بعد فرض "إغلاق كورونا" في آذار 2020 مقارنة بشباط - كانون الثاني من نفس العام
1,438
حالات الخروج عبر ايرز ( المعدل الشهري للنصف الأول من 2021)
في النصف الأول من عام 2021، حددت اسرائيل خروج الاشخاص عبر معبر إيرز للمرضى الذين يحتاجون علاج منقذ للحياة وعدد قليل من الحالات الأخرى
حوالي 40,000
حالات دخول وخروج عبر رفح
المعدل الشهري خلال النصف الأول من عام 2013
4,245
حالات دخول وخروج عبر رفح ( معدل شهري 2020)
في السنة الأولى من وباء كورونا، سمحت مصر بحركة قليلة جدًا بينها وبين غزة
حوالي 11,000
حالات دخول وخروج عبر رفح (المعدل الشهري للنصف الأول من 2020)
الخروج من غزة عبر معبر رفح مسموح فقط لأولئك الذين يستوفون المعايير التي حددتها مصر

جزء 2
الجزء الثاني: حركة البضائع
الجزء الثاني: حركة البضائع

كرم أبو سالم

في السنوات الأولى بعد تشديد الإغلاق على قطاع غزة (2007-2010) أغلقت إسرائيل ثلاثة معابر بضائع إلى غزة كانت تعمل حتى ذلك الحين: معبر المنطار (كارني)، معبر العودة (صوفا) ومعبر ناحل عوز. لأكثر من عشر سنوات يعد معبر كرم أبو سالم معبر البضائع الرئيسي لقطاع غزة، والمعبر الوحيد مع إسرائيل، والمعبر الوحيد الذي أتيح من خلاله تصدير البضائع لتسويقها خارج القطاع. يعتبر كرم أبو سالم، الذي تم تفعيله لأول مرة في العام 2005 بهدف إدخال المساعدات الإنسانية، شريان حياة مركزي وحيوي لسكان قطاع غزة.

منذ تشديد الإغلاق على قطاع غزة بين الأعوام 2007 و- 2010، فترة أحداث أسطول الحرية “مافي مرمرة”، منعت إسرائيل دخول قائمة طويلة من البضائع المدنيّة إلى القطاع، من بينها منتجات أساسية مثل الكزبرة، ورق المرحاض، الألعاب والشوكولاتة. عمليا، احتوت القائمة التي لم تُنشر رسميًا أبدًا على بضائع سمِح بدخولها إلى غزّة – بينما مُنعت كلّ البضائع الأخرى. في العام 2012، وبعد عمل قانوني مطول قامت به “چيشاه – مسلك”، كشفت وزارة الأمن عن ملف “استهلاك الغذاء في القطاعالخطوط الحمراء”  يتضمن هذا الملف معلومات عن سياسة تقييد دخول المواد الغذائية الى قطاع غزة والتي كانت مطبَّقة بين الأعوام 2007 و- 2010.

لم تعد إسرائيل تفرض قيودًا على استيراد المنتجات الغذائية إلى قطاع غزة، لكنها تواصل تقييد دخول المواد التي تعتبرها “مزدوجة الاستخدام“، وهي مواد خام أو معدات تستَخدَم لأغراض مدنية، ومن الممكن أن تستَخدم، من وجهة نظر إسرائيل، لأغراض عسكرية. ويُدرج هذا النوع من السلع في قائمةٍ طويلة وضبابيّة تتضمّن “المعدات الطبية“، “وسائل الاتصالات“، بالإضافة الى السلع الاساسية الضرورية لتكنولوجيا المعلومات، قطاعات الزراعة والصيد والصناعة. تعيق التقييدات المفروضة على دخول هذه المواد تطور القطاع الاقتصادي، والجهود المستمرة لتطوير البنية التحتية للكهرباء والمياه والصرف الصحي.

غزّة: التسلسل الزمني للإغلاق
1947 - 2021 حرّكوا المسطرة يسارا لمشاهدة نظرة تاريخيّة عامّة
29.11.1947
إقرار خطة التّقسيم الصّادرة عن الأمم المتّحدة. قطاع غزّة يندرج ضمن حدود الدّولة الفلسطينيّة
15.04.1948
الإعلان عن إقامة دولة إسرائيل ونشوب حرب 1948. خلال الحرب، الكثير من اللاجئين الفلسطينيّين من مناطق المركز والجنوب يتجمّعون في غزّة
24.02.1949
توقيع اتفاقية الهدنة مع مصر، وهي الاتفاقيّة التي تركت القطاع تحت الحكم العسكريّ المصريّ
05.06.1967
إسرائيل تحتلّ غزّة خلال حرب الأيّام الستة
01.01.1972
"تصريح الخروج العامّ" يتيح للفلسطينيّين من كلٍّ من غزّة والضفّة الدخول إلى للمناطق الإسرائيليّة والعمل فيها خلال النهار
09.12.1987
اندلاع الانتفاضة الأولى بداية في غزّة، ومن ثم امتدادها إلى الضفّة الغربيّة. سيتفشى العنف خلال السّنوات اللاّحقة وتتصاعد وتيرته
10.02.1991
إلغاء "تصريح الخروج العامّ"، وتحوّل التقييدات المفروضة على تنقل سكّان القطاع إلى تقييدات مشدّدة جدّاً
01.04.1994
توقيع اتفاقيّة القاهرة القاضية بنقل مناطق غزّة وأريحا إلى السّيطرة الفلسطينيّة
01.01.1995
إسرائيل تبني جدارًا حول غزّة
25.10.1999
فتح المعبر الآمن بين قطاع غزّة والضفّة الغربيّة
27.09.2000
اندلاع الانتفاضة الثّانية. تمّ إغلاق المعبر الآمن. فرض تقييدات مشددةٍ على الحركة والتنقل في معبر إيرز. إسرائيل تغلق مطار غزّة. منع الطلبة الجامعيون من غزة من الدراسة في الضفّة الغربيّة
11.09.2005
استكمال خطة "فك الارتباط" وخروج الجيش الإسرائيليّ من أراضي القطاع بعد 38 عاماً. فرض تقييدات على التجارة مع غزّة
15.11.2005
توقيع اتفاقيّة المعابر. تمنح الاتفاقيّة إسرائيل صلاحيّات واسعةً في مسألة تنقّل الأشخاص من غزّة وإليها
25.01.2006
حركة حماس تفوز بالأغلبيّة في انتخابات البرلمان الفلسطينيّ التي أجريت في كلَّ من غزّة والضفّة الغربيّة. بعد ذلك بثلاثة شهور، إسرائيل تحظر على العمّال من غزة الدّخول إلى أراضيها وتقتصر المرور عبر معبر إيرز على الحالات الإنسانيّة الاستثنائيّة
26.06.2006
الجنديّ چلعاد شاليط يؤسر على يد منظّمات فلسطينيّة ويتمّ احتجازه في غزّة. بعد يومين من ذلك التاريخ تبدأ عملية "أمطار الصّيف" العسكريّة، حيث يتمّ تنفيذ الاجتياح البرّي العسكري الأول تجاه غزّة بعد "فك الارتباط". وقد تمّ خلال العملية العسكرية قصف محطة توليد الطّاقة في قطاع غزّة
19.09.2007
إسرائيل تعلن عن غزّة باعتبارها "كيانا معاديا" في أعقاب سيطرة حماس على القطاع، كما وتفرض إسرائيل عليه الإغلاق. إسرائيل تتبنى معادلات حسابية لتحديد المستوى الأدنى من الغذاء المطلوب دخوله إلى غزّة من أجل تلافي وقوع أزمة إنسانيّة، وتقوم لفترة معينة بتقليص كميّة الوقود والكهرباء المباعين لغزة، كما وتقوم بتقليص مساحات الصيد لمسافة ثلاثة أميال بحريّة من شواطئ القطاع
27.12.2008
عملية "الرصاص المصبوب" العسكرية. قصف محطة توليد الطّاقة مجددًا. إلحاق أضرار جسيمة بالمساكن والمباني الحكوميّة وبالبنى التحتيّة الخاصة بالكهرباء، الصرف الصحي والماء، بالإضافة إلى مقتل المئات
01.01.2009
إسرائيل تنشر إجراء إداري يحظر على الفلسطينيّين سكان غزة الانتقال إلى الضفّة الغربيّة لغرض لم الشمل
31.05.2010
سيطرة سلاح البحريّة الإسرائيلي على السفينة التركيّة مافي مرمرة تنتهي بمقتل تسعة من ناشطي الأسطول. ضغط دولي وتحقيقات في أعقاب الحادثة. إسرائيل تلغي أغلب التقييدات المفروضة على دخول المنتجات المدنيّة إلى القطاع، باستثناء الأغراض "ثنائيّة الاستخدام"، وتسمح بدخول مواد البناء للمؤسسات الدولية فحسب. بدء عمليات تصدير محدودة من غزّة إلى دول الخارج
10.07.2011
سلاح الجو الإسرائيلي يقوم بقصف نفقٍ في غزّة. على امتداد العام تتصاعد عمليات التهريب عبر الأنفاق بين سيناء وغزة بشكل مكثّف. اتّساع نطاق النّشاط في معبر رفح بشكلٍ كبيرٍ وفتحه لمعظم الوقت من أجل إتاحة مرور سكّان غزّة إلى مصر في أعقاب صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر
14.11.2012
عمليّة "عامود السحاب" العسكريّة. حيث تقوم إسرائيل في أعقاب العمليّة بتوسعة مساحة الصيد إلى ستة أميال بحريّة وتعلن عن نيتها السماح بدخول المزارعين إلى الأراضي التي تبعد حتى مئة عن من الحدود
13.10.2013
اكتشاف نفق إلى جانب كيبوتس عين هشلوشاه وضع حدًّا لفترةٍ قصيرةٍ سمحت فيها إسرائيل بدخول موادّ بناء لصالح القطاع الخاص، وقد جرى حظر دخول هذه المواد بشكلٍ تامّ. ارتفاعٌ حادٌّ في مستويات البطالة. خلال العام نفسه قامت مصر بتدمير معظم الأنفاق من سيناء وإغلاق معبر رفح لأوقات متقاربة
08.07.2014
عملية "الجرف الصامد" العسكريّة، وهي العملية الأكثر دمويةً وتدميرًا من بين العمليات العسكرية في القطاع
26.08.2014
وقف إطلاق النار ينهي العملية العسكرية. إنشاء منظومة الـ GRM ودخول موادّ بناءٍ أكثر إلى غزّة. زيادةٌ طفيفةٌ في إصدار تصاريح الزّيارات العائليّة في الضفّة. في شهر تشرين ثاني يجري إلغاء الحظر المفروض على تسويق البضائع من غزة في الضفّة الغربيّة
01.03.2015
إسرائيل تسمح بتسويق محدود للمنتجات الزراعيّة الآتية من قطاع غزّة في أراضيها لليهود الملتزمين بالسنة السبتية. تم فتح معبر رفح على مدار 32 يوما فقط، غير متواصلة، طيلة العام بأسره
29.03.2016
إسرائيل تفرض حظرًا على دخول الإسمنت للقطاع الخاص في غزّة طيلة شهرين تقريبا. وخلال العام يتمّ إلغاء آلاف تصاريح التجّار لتجار من غزة وبذلك تم منعهم من الدخول إلى كل من إسرائيل والضفّة. تصاعد حالات المنع الأمني
أيّار 2018
منذ أيّار 2018 حتى حزيران 2020، أغلقت إسرائيل 13 مرة المعابر (8 مرات معبر ايرز و5 مرات معبر كرم أبو سالم) وأوقفت دخول البضائع الحيويّة كإجراء عقابيّ. إغلاق معبر كرم أبو سالم أدّى إلى أضرار اقتصاديّة جسيمة تكبّدتها الصناعات، أصحاب المصالح، والمصانع في غزّة، والتي ترزح أصلًا تحت تقييدات الإغلاق الذي تفرضه إسرائيل على القطاع
نيسان 2019
وسّعت إسرائيل المنطقة المسموحة للصيد امام جزء من شواطئ غزّة حتّى 15 ميلًا بحريًّا لأول مرة. المسافة الجديدة متاحة أمام شواطئ ضيّقة نسبيًا في جنوب القطاع. تواصل إسرائيل تقليص مساحة الصيد كإجراء عقابيّ جماعيّ. خلال عام 2019 قلصت إسرائيل مساحة الصيد تسع مرات، بأربعة منها تم فرض إغلاق بحري كامل. في الشهرين الاولين من عام 2020 (كانون ثاني وشباط) تم تغير منطقة الصيد 6 مرات، ومنع أي خروج الى البحر لمدة يومين
اذار 2020
أزمة كورونا. في خطوة تم تأطيرها كتصدي لانتشار فيروس كورونا، أوقفت إسرائيل الحركة عبر معبر إيرز باستثناء المرضى الذين غادروا لتلقي العلاج العاجل وعدد قليل من الحالات الأخرى. استمر هذا الوضع دون تغيير تقريبًا حتى صيف عام 2021.
أيار 2021
أغلقت إسرائيل معبر إيرز وكرم أبو سالم بشكل كامل خلال 11 يومًا من عدوان واسع النطاق على القطاع، ومنعت تمامًا حركة الأشخاص والبضائع من وإلى القطاع، بما في ذلك المساعدات الطبية والوقود إلى محطة الكهرباء. واستمرت في تقييد حركة المرور بشدة عبر المعابر حتى بعد شهور من التوصل إلى وقف إطلاق نار

حتى اليوم كان دخول مواد البناء الأساسية، مثل الأسمنت والحديد، ومعظم المواد التي تعرفها إسرائيل على أنها “ذات استخدام مزدوج”، الى غزة كجزء من آلية تنسيق تسمى آلية إعادة إعمار غزة (Gaza Reconstruction Mechanism – GRM). أقيمت هذه الآلية بعد الحرب عام 2014، والتي أطلقت عليها إسرائيل اسم “تسوك إيتان”، بناءً على طلب إسرائيل، وتعمل بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وتحت إشراف الأمم المتحدة. في الواقع، تمنح هذه الآلية إسرائيل صلاحية اتخاذ القرار والبت في أي من خطط البناء التي يتم الموافقة عليها وتنفَّيذها. حتى خطط البناء التي تمت الموافقة عليها بالفعل تتأخر بشكل كبير بسبب بطء الآلية وتعقيدها.

ان خروج البضائع للتسويق خارج القطاع هو أيضا حاجة حيوية وأساسية للاقتصاد. حتى اليوم، تحظر إسرائيل تسويق بضائع عديدة من غزة في الضفة الغربية وإسرائيل. في نهاية العام 2014، أعلنت إسرائيل عن إزالة إحدى التقييدات الاقتصاديّة الأشد التي فُرضت على غزّة منذ صيف 2007: منع تسويق البضائع من غزّة إلى الضفّة الغربيّة. خرجت لأول مرة في تشرين ثاني 2014، وبعد سبع سنوات، شاحنة محمّلة ببضائع أنتجت داخل غزّة في طريقها إلى أسواق الخليل. بعدها، تم تسويق أثاث وملابس ومنتجات زراعيّة من القطاع. المواد الزراعيّة التي يُسمح بتسويقها اليوم في الضفّة الغربيّة، وفقا لقائمة منسق اعمال الحكومة الاسرائيلية: بندورة، خيار، فلفل، باذنجان، كوسى، بطاطا حلوة، توت أرضي، ملفوف، قرنبيط وتمر. البصل مدرج أيضا في القائمة لكن تسويقه الى الضفة الغربية غير ممكن. ليس من الواضح لماذا يُسمح بهذه القائمة فقط. في آذار 2015، سمحت إسرائيل ببيع كميات محدودة من البندورة والباذنجان من قطاع غزّة في إسرائيل. سُمح أيضًا بتسويق الكوسا والفلفل في إسرائيل، لكن بيعها ليس مربحًا بسبب تكاليف النقل المرتفعة. البضائع الأخرى من غزة التي يُسمح بتسويقها في إسرائيل هي الأثاث والملابس والخردة المعدنية.

منذ تشديد الإغلاق في تموز 2007، وحتّى نهاية العام 2014، خرجت 14.7 شاحنة فقط بمعدل شهري من القطاع، أي حوالي 1% من عدد الشاحنات التي خرجت منه قبل فرض الإغلاق: 1,064 شاحنة شهريًا. خلال العام 2020 خرج من غزة 265 شاحنات بمعدل شهري. كمية وأنواع البضائع المسموح تسويقها من غزة الى الضفة الغربية وإسرائيل بعيدة كل البعد عن تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية في القطاع.

تستغل إسرائيل سيطرتها على معبر كرم أبو سالم بشكل محظور لممارسة الضغط على السكان. خلال العام 2020، أغلقت إسرائيل، أو قيدت، عمل كرم أبو سالم لمدة 5 أيام كخطوة عقابية تجاه السكان (هذا بالإضافة إلى إغلاق المعبر في كل الأعياد الإسرائيلية). حظرت إسرائيل بشكل شبه كامل لمدة ثلاثة أشهر بعد عدوانها على غزة في اب 2021 دخول مواد البناء ومعظم المعدات التي تعرفها هي على انها “مزدوجة الاستخدام” إلى القطاع، مما أدى إلى تأخير كبير في جهود إعادة الاعمار وإلحاق أضرار جسيمة بحياة السكان. إن أي إغلاق لمعبر كرم أبو سالم أو إضافة المزيد من التقييدات المفروضة على حركة البضائع عبره يؤدي إلى عواقب إنسانية وأضرار اقتصادية جسيمة للصناعات وأصحاب الأعمال والعاملين في غزة، الذين يعانون اصلا تحت تقييدات الإغلاق.

بوابة صلاح الدين

في شباط 2018، بدأ دخول البضائع من مصر إلى قطاع غزّة عن طريق بوابة صلاح الدين المحاذية لمعبر رفح، وهي خاضعة لسيطرة مدنيّة وأمنيّة لسلطتي حماس ومصر. حركة البضائع عبر هذه البوابة، خاصةً الوقود ومواد البناء، أصبحت ذات أهميّة: في العام 2019، دخل عبر صلاح الدين 23% من الاسمنت المباع في القطاع و86% من غاز الطبخ. دخل في العام 2020 عبر صلاح الدين 27% من الاسمنت المباع في القطاع، وحوالي 84% من غاز الطبخ.

لا يشكل عمل بوابة صلاح الدين بديلًا للعمل المنتظم لمعبر كرم أبو سالم كونه أولا لا يصل بين غزة والأسواق الأكثر أهمية لها – إسرائيل والضفة الغربية – وأيضا بعيد عن كافة الموانئ في المنطقة. ورغم زيادة تنويع البضائع المُمكن دخولها عبر صلاح الدين، إلا أن كميّتها لا تزال قليلة مقارنة مع ما يدخل عبر معبر كرم أبو سالم. لا تتوفر في المبر البنى التحتية اللازمة لمرور كافة البضائع ولا يمكن تسويق البضائع خارج القطاع من خلاله. لا يعمل معبر صلاح الدين عبر أنظمةٍ منتظمة وشفّافة، وأحيانًا كثيرة يُمنع دخول البضائع بشكلٍ شبيه للمنع الذي تطبقه إسرائيل في معبر كرم أبو سالم.

صناديق خيار في من غزة بطريقها إلى الضفة الغربية. تصوير: جمعية “چيشاه-مسلك”
صناديق خيار في من غزة بطريقها إلى الضفة الغربية. تصوير: جمعية “چيشاه-مسلك”
جزء 3
الجزء الثالث: جوًا، بحرًا، أرضًا
الجزء الثالث: جوًا، بحرًا، أرضًا
قوارب صيد في غزة. قطاع الصيد أصبح مع الوقت مهنة خطيرة. تصوير: أسماء الخالدي

لا تتوقّف سيطرة إسرائيل على قطاع غزّة عند المعابر وحركة الأشخاص والبضائع فحسب، بل تسيطر إسرائيل على المجال البحريّ والجويّ أيضًا. خلافا لما نصت عليه اتفاقيات أوسلو، تحظر إسرائيل بناء ميناء بحري في غزة ولا تتيح إعادة بناء مطارها الدولي الذي دمر في القصف الإسرائيلي عام 2001. تحلق في سماء غزة طائرات اسرائيلية بدون طيار تسمَع أصواتها طوال ساعات اليوم. تغلق إسرائيل المجال الجوي، كما أنها تتحكم بالفضاء الكهرومغناطيسي في قطاع غزة ولا تتيح فتح ترددات الجيل الثالث والرابع فيه، مما يحد ليس فقط الاتصالات الخليوية ولكن أيضا إمكانيات التطور في مجال الهايتك على سبيل المثال.

تفرض إسرائيل “منطقة عازلة” داخل قطاع غزة التي تمتد حتى 300 مترا من السياج الفاصل داخل القطاع في منطقة معظمها حقول زراعية. تفرض إسرائيل التقييدات على الوصول إلى هذه المنطقة بواسطة إطلاق الرصاص الحي، وتقتحم المناطق المحاذية للسياج بشكل منتظم. الجهات الإسرائيليّة الرسميّة تدعي أنها تسمح للمزارعين بالوصول حتّى 100 متر عن السياج بشرط التنسيق. لم تتمكّن جمعية “ﭼيشاه-مسلك” من العثور على أي إسنادٍ لمثل هذا التنسيق. يظهر بوضوح من محادثات أجريناها مع من يعيشون في المنطقة ويعملون بها او بالقرب منها أنهم لا يعرفوا متى ستكون المرة القادمة التي تتعرض حياتهم فيها للخطر. وفقا لمعطيات مركز الميزان في غزّة، بين الأعوام 2010 و-2017، سُجلت نحو 1,300 حادثة إطلاق نار على مزارعين، ورعاة، وجامعي خردة الحديد ومتظاهرين بمحاذاة السياج، وأدّت إلى مقتل ما لا يقل عن 161 فلسطينيّ وإصابة أكثر من 3,000.

حتى في الأحداث الاحتجاجية التي أطلِق عليها اسم “مسيرات العودة” التي بدأت في آذار 2018 واستمرت طوال عام 2019 بجانب السياج بين إسرائيل وغزة، استخدم الجيش الإسرائيلي الرصاص الحي ضد المتظاهرين. بحسب معطيات نشرتها الأمم المتحدة، قتل في هذه المظاهرات 214 فلسطينيًا، من بينهم 46 طفلاً، وأصيب أكثر من 36,100، حوالي 8,800 منهم من الأطفال.

لا يقتصر العدوان الإسرائيلي بمحاذاة السياج على إطلاق النار على المزارعين والمواطنين القاطنين في المنطقة. في نهاية العام 2015 اعترف الجيش الإسرائيليّ لأوّل مرّة بما كان معروفًا لسكّان القطاع، أنّه يرش المناطق القريبة من السياج بمبيدات أعشاب من الجو حتّى تبقى المنطقة مكشوفة. ظهر في أعقاب جهود قضائية بذلتها “ﭼيشاه-مسلك”، عدالة ومركز الميزان، ومن المتابعة والتوثيق الذي أجرته جمعيات حقوق انسان مختلفة أن رش المبيدات هذا يضر بمحاصيل زراعية كثيرة بمسافة تزيد عن 300 متر بكثير، كذلك بمصادر معيشة المزارعين، وباقتصاد القطاع بأكمله. ولا تزال أضرار الرش على المدى البعيد مجهولة.

في عام 2019، العام الوحيد منذ 2014 الذي لم تقم فيه إسرائيل برش المبيدات من الجو، أفاد حينها المزارعون بأثر إيجابيّ على المحاصيل. لكن في كانون ثاني 2020 قامت الطائرات الإسرائيلية برش مبيدات الأعشاب على طول السياج الفاصل وعرضت حقول زراعية واسعة للخطر. استمرت إسرائيل بهذه الممارسة المدمرة وأعادت الرش في نيسان 2020، في ظل التعامل مع أزمة وباء كورونا، وخلافًا لواجب إسرائيل بحماية الأمن الغذائي لسكان قطاع غزة. لم يتم توثيق أي حالات رش أخرى منذ نيسان 2020، لكن هناك خطر دائم على مزارعي المنطقة من تجدد هذه الممارسة المدمرة، دون سابق إنذار، وإلحاق أضرار جسيمة بمصدر رزقهم.

مساحة الصيد

صيد الأسماك، أحد أقدم المهن في قطاع غزة وأكثرها ارتكازا، أصبح مهنة شديدة الخطورة في العقود الأخيرة. يتم فرض التقييدات من قبل قوات جيش البحرية الإسرائيلي من خلال إطلاق النيران التحذيرية أو الحية باتجاه القوارب والصيادين، مما يتسبب في إصابات وأضرار جسيمة للصيادين، والأسوأ من ذلك كله، في كثير من الأحيان، يؤدي إطلاق النيران لخسائر بالأرواح. أفادت جمعيات الصيادين في غزة عن استخدام النيران الحية، ومصادرة قوارب ومعدات الصيادين واعتقال الصيادين حتى في المساحة المسموحة. وفقًا لمركز الميزان في غزة، خلال العام 2020، سجلت 308 حالات إطلاق نار من قبل البحرية الإسرائيلية باتجاه قوارب صيد من غزة. في أيار 2020 سُجل تصعيد إضافي في وتيرة العنف وإطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي ضد الصيادين. وتتواصل الأنباء عن مثل هذه الحوادث خلال عام 2021، حيث سجلت 195 حالات إطلاق نار باتجاه الصيادين خلال النصف الأول من 2021.

وفقًا لاتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1995، يمكن للصيادين في غزة الابتعاد لمسافة تصل إلى 20 ميلاً بحريًا من الشاطئ، الامر الذي لم يتم تطبيقه أبدًا. فرضت إسرائيل على مدار السنوات تقييدات متفاوتة على المنطقة المسموحة للصيادين والتي تراوحت من ثلاثة إلى تسعة أميال بحرية من شاطئ قطاع غزة. في بداية عام 2019، أعلنت إسرائيل أنّ المساحة المتاحة للصيد ستوسّع حتّى 12 ميل بحريّ في جنوب القطاع، وتبقى ستة أميالٍ بحريّة في شمال القطاع. خلال نفس العام اضيفت مساحة صغيرة يسمح الجيش للصيادين بالإبحار بها حتى 15 ميل بحري من الشاطئ. في الأطراف، في الجنوب والشمال، أقرت إسرائيل مساحة يقدر عرضها بميل بحري واحد يمنع فيه الإبحار كليًا.

غالبًا ما تستخدم إسرائيل تقليص منطقة الصيد، كما إغلاق المعابر أو تقييد الحركة عبرها، كوسيلة للضغط على سكان قطاع غزة، وهي خطوة تشكل عقابًا جماعيًا محظورًا. قلصت إسرائيل منطقة الصيد خلال عام 2019 تسع مرات على الأقل كإجراء عقابي جماعي، بأربعة منها تم فرض إغلاق بحري كامل. واصلت إسرائيل القيام بذلك خلال عامي 2020 و- 2021. حظرت إسرائيل تمامًا الدخول إلى البحر مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار 2021، هذا الحظر ظل ساري المفعول لمدة 15 أيام متتالية. حتى بعد أسابيع من التوصل إلى وقف إطلاق النار، واصلت إسرائيل تقليص المساحة المسموح بها للصيد.

تقيد إسرائيل، بل وتمنع، دخول المواد اللازمة لصيانة القوارب المتضررة من إطلاق النار أو الحوادث في البحر، ويضطر الصيادون إلى تعطيل القوارب المتضررة. أثرت القيود المختلفة بشكل عميق على عمل ومعيشة ما يزيد عن 50 ألف من الأشخاص المعتمدين على هذ القطاع. حيث انخفض عدد العاملين في مجال صيد الأسماك من حوالي 10,000 في عام 2000 إلى حوالي 3,600 في بداية عام 2020.

جزء 4
الجزء الرابع: النقص في الكهرباء
الجزء الرابع: النقص في الكهرباء

يعاني قطاع غزة منذ سنوات طويلة انقطاعات مستمرّة للكهرباء يوميًا. يؤثر نقص الكهرباء على العديد من جوانب الحياة اليومية في قطاع غزة، على عمل المستشفيات والشركات والمؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى البنى التحتية المدنية مثل شبكات المياه والصرف الصحي.

الوقود المستخدم لتشغيل محطة الكهرباء ممول من قطر، ويتم شرائه في إسرائيل وينقَل إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم. تنتج المولدات الثلاثة التي تعمل عادة في المحطة قرابة 65-75 ميغاواط بالمجمل، بالإضافة إلى كمية الكهرباء التي تشترى من إسرائيل (120 ميغاواط)، والتي تتدفق عبر خطوط إمداد مباشرة. توقفت مصر عن إمداد غزة بالكهرباء في 2018 بعد أن زودت قطاع غزة سابقًا بالكهرباء من خلال خطوط الإمداد المباشر. يوفر إجمالي إمدادات الكهرباء في غزة (حوالي 195 ميجاوات في المجموع) ما يصل إلى 15 ساعة من الكهرباء يوميا.

2.05
مليون نسمة
حسب مُعطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
365
كيلومتر مربع مساحة قطاع غزة
الكثافة السكّانية في القطاع من بين الأكثر ارتفاعًا في العالم: 5,154 شخص لكل كيلومتر مربع
70%
من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية
حسب تقديرات الأمم المُتحدة، معظم المساعدات تقدم من خلال مخصصات الغذاء
~48%
نسبة البطالة (الربع الأول، عام 2021)
مُقارنةً مع مُعدّل %17 في الضفة الغربيّة لنفس الفترة
66%
نسبة البطالة في أوساط الشباب
مُعدّل البطالة بين الشباب (15-29) في الربع الأول من عام 2021
+40%
من السكان دون جيل 15 عام
يشكل الاشخاص الذين تبلغ اعمارهم 65 عامًا وما فوق أقل من 3% من سكان غزة

تزويد الكهرباء يتغيّر بحسب ظروف الطقس التي تؤثر على استهلاك الطاقة: في ذروة الشتاء والصيف، عندما يزيد استهلاك الطاقة، تقل ساعات الكهرباء المتاحة للسكان. التمويل الخارجي مكّن من صمود البنى التحتيّة العامة كالمستشفيات، المصالح، والبيوت الخاصّة بوضع أفضل من الماضي، إلا أن ذلك لا يوفّر حلًا مستديمًا طويل الأمد. بحسب شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة، حتى في فترات انخفاض الاستهلاك، فإن التزويد الكهربائي لا يصل حتى إلى نصف الطلب على الكهرباء في قطاع غزة، والذي يبلغ 400-500 ميغاواط.

في كثير من الحالات، كان آخرها في آب 2020 وأيار 2021، منعت إسرائيل دخول الوقود إلى محطة الطاقة عبر معبر كرم أبو سالم، وبذلك تضر بشكل متعمد بوصل الكهرباء للسكان، وكذلك تنقية مياه الصرف وعمل البنى التحتيّة الحيويّة والمؤسسات.

جزء 5
موقف “چيشاه – مسلك”
تصوير: إدوارو سوطرس خليل
في الصورة، أب (30 عام) لثمانية أطفال، يقبّل ابنته غزة المولودة حديثًا خلال الحرب. فمنذ بداية الحرب يقطن الأب وعائلته في مأوى تابع لوكالة الغوث (أونروا)، وهم أصلًا من حي الشجاعيّة.
تصوير: إدوارو سوطرس خليل

يفرض القانون الدوليّ على إسرائيل كونها قوة احتلال واجب السعي من أجل إتاحة حياةٍ طبيعيةٍ لسكّان القطاع، القابعين تحت احتلالها المستمر. انطلاقًا من سيطرتها الواضحة على العديد من جوانب الحياة في قطاع غزّة، تؤمن جمعية “چيشاه – مسلك” أنه يقع على إسرائيل واجب أخلاقي بالامتناع عن إلحاق الأذى بسكان قطاع غزة.

بحسب القانون الدولي لا يقع على مصر أي التزام لعدم كونها قوة احتلال. ولكن، نظرًا للإغلاق الذي تفرضه إسرائيل، فعلى مصر واجب السماح بمرور الأشخاص والمساعدات الإنسانية بينها وبين غزة. مثل دول أخرى في العالم، من واجبها العمل لمنع انتهاك القانون الدولي، من خلال الامتناع عن سياسة العقاب الجماعي من بين أمور أخرى.

لإسرائيل الحق في وضع الترتيبات الأمنية لمنع نقل الأسلحة، لكن وفقًا للقانون الدولي، على هذه الترتيبات أن تكون معقولة ومتناسبة. على إسرائيل أن توازن بين احتياجاتها الأمنية وواجبها لحماية حقوق الانسان الأساسية للفلسطينيين. ان الإغلاق المفروض على غزة لا يحقق مثل هذا التوازن، وهو مرفوض ومحظور نهائيًا.

وبحسب موقف “چيشاه – مسلك”، يجب على إسرائيل السماح بحرية تنقل الأشخاص والبضائع من وإلى قطاع غزة بشرط إجراء فحوصات أمنية فردية فقط، والسماح لسكانها بالتنمية الاقتصادية والازدهار، والحصول على الفرص والتعليم والصحة والحياة الأسرية.

 

 

 

* بموجب تعليمات القانون، يسر “ﭼيشاه – مسلك” التنويه أنه نتيجة للتعاون مع دول ومؤسسات دولية، التي تدعم عملنا لتعزيز حقوق الإنسان، غالبية التمويل لنشاطاتنا يأتي من “كيانات سياسيًة أجنبيًة”.