غزة هي عبارة عن مساحة أرض ضيقة تقع بين إسرائيل ومصر والبحر الأبيض المتوسط، تمتد على مساحة 365 كيلومترًا مربعًا. يعيش مليوني نسمة، نصفهم من الأطفال دون سن 18 عامًا، في كثافة سكانية هي من الأعلى في العالم. نظرًا للبنية التحتية المهترئة في القطاع، يصل امداد الكهرباء لساعات معدودة في اليوم، بينما يعاني الكثير من السكان من النقص في مياه الشرب النظيفة. يضطر حوالي 70% من سكان غزة إلى اللجوء للمساعدات الإنسانية للحصول على احتياجاتهم الأساسية. الغالبية العظمى منهم لا يستوفون المعايير القليلة التي حددتها إسرائيل لمنح تصريح عبور، وبالتالي فإن وصولهم إلى الفرص والعمل والتعليم محجوب، وكذلك لأقاربهم الذين يعيشون في إسرائيل والضفة الغربية والخارج.
يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن خطة “فك الارتباط” التي نفذّت في نهاية صيف 2005، تعفي إسرائيل من أي مسؤولية تجاه ما يحدث في القطاع، لكن إسرائيل ما زالت تمنع الخروج والدخول من وإلى قطاع غزّة عبر البحر والجو، إلى جانب سيطرتها على كافة المعابر البريّة فيها باستثناء معبر رفح وبوابة صلاح الدين الخاضعين لسيطرة مصر. تقوم إسرائيل بفحص وتصنيف جميع البضائع المخصصة لدخول غزّة عبر معبر كرم أبو سالم، وتطالب بمعرفة الأهداف وراء إدخالها، مستلميها وممولّيها. كما وتقرر إسرائيل أي من المنتجات المصنوعة في غزة تُسَوَّق خارجها، بأي كمية وفي أي وقت. تقرر إسرائيل كذلك كمية الكهرباء التي تبيعها للقطاع وتتلاعب بها كما يحلو لها. تغلق إسرائيل المعابر إلى غزة ومنطقة الصيد مرارًا وتكرارًا كوسيلة ضغط وعقاب للسكان. حتى في الأيام العادية، وفي خضم هجماتها المتكررة على قطاع غزة، تفرض إسرائيل حظرًا شاملًا على حركة الأشخاص والبضائع، مما يحد من فرص العمل والدراسة امام السكان، ويعيق التنمية الاقتصادية، وينتهك حقوق السكان الأساسية. هذا ليس فك ارتباط، بل سيطرة عن بعد.
ملخص الفصول الأخيرة
في 11 أيلول 2005 سحبت إسرائيل آخر جنودها من قطاع غزّة. في العام 2007، وبعد سيطرة حماس بالقوة على القطاع، أعلن المجلس الوزاري السياسيّ الأمنيّ المصغر (الكابينِت) عن غزّة “منطقةً معادية” وشدد التقييدات المفروضة على سكّانها بشكل حاد: تمّ تقليص دخول البضائع المسموح بها إلى ما تعرّفه إسرائيل على أنه الحدّ الأدنى لمنع أزمةٍ إنسانيّة في غزة، ومنع خروج البضائع من القطاع لأغراض تّسويقية تمامًا؛ قلّصت كمية الوقود المعد لدخول لغزة، ومنعت حركة الأشخاص بين قطاع غزّة والضفّة الغربيّة وإسرائيل، والتي كانت أصلًا محدودة جدًا.
على مر السنين طورت إسرائيل نهج اطلقت عليه اسم”سياسة الفصل“، جوهر هذه السياسة هو محاولة عزل قطاع غزّة عن الضفّة الغربيّة وإسرائيل، وعرقلة إقامة العلاقات بين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم المختلفة. لا تتشارك الضفة الغربية وغزة بالهوية القومية، واللغة، والثقافة، والعلاقات الاقتصادية والعائلية فحسب، بل وكان من المفترض أن تشكّل كلاهما الدولة الفلسطينيّة بحسب القرارات الدولية والاتفاقيات السياسية. ادعت جهات أمنيّة إسرائيلية في السابق أن سياسة الفصل هذه تهدف للضّغط على حماس ومساعدة السّلطة الفلسطينيّة، لكن في الواقع، لا تخدم هذه السّياسة أهدافًا أمنية بالضرورة، بل ديمغرافية-سياسية: تقليل عدد الفلسطينيين الذين يسكنون الضفة الغربية، إضعاف المؤسسات الفلسطينية التي يفترض أن تكون أساسًا لبناء دولة، والمضي قدمًا مع خطة ضم أراضي الضفة الغربية على حساب حقوق الإنسان. بسبب هذه السياسة لم يتمكن الفلسطينيون في غزة من الدراسة في جامعات الضفّة الغربيّة، كما منع عبور الطّواقم الطّبيّة، وعمال مؤسسات المجتمع المدني، والأكاديميّين والخبراء التقنيّين من وإلى المنطقتين حتى لو كان ذلك بهدف المشاركة في التدريبات والتأهيل المهنيّ. لا يستطيع أبناء العائلات المفرقة بين غزة والضفة لقاء بعضهم البعض إلاّ في حالات استثنائية وخاصة.
تم إلغاء أو تغير بعض التقييدات منذ عام 2007، كما سنفصل لاحقًا، لكن الإغلاق على غزة لا يزال كما هو، هذا على الرغم من عدم تحقيقه لهدفه المعلن بحسب اسرائيل، “اسقاط حماس“، ولم يحد من إطلاق الصواريخ على إسرائيل. رغم الادعاء الإسرائيلي أن التقييدات هي ضرورة أمنيّة، إلا أن الكثير منها لا يهدف إلى تلبية احتياجات أمنية ملموسة، ولا يمكن تبريرها على هذا النحو. أدت هذه التقييدات إلى تدهور الأوضاع في قطاع غّزة حتّى توقع خبراء الأمم المتّحدة أن القطاع لن يكون صالحًا للمسكن حتّى العام 2020، وهو ما حصل حتى قبل ذلك. إن الاغلاق على غزة، الذي اعترفت إسرائيل سابقًا أنه أيضًا أداة لحرب اقتصادية، يشكل جزءًا من نظام أوسع بهدف السلب والتقسيم وجرائم الفصل العنصري (أبارتهايد) ضد الفلسطينيين.
ازداد الوضع سوءا في غزة منذ آذار الماضي مع تشديد التقييدات التي تفرضها إسرائيل على حركة الأشخاص في معبر إيرز، وهي خطوة تم تقديمها كإجراء وقائي ضد انتشار وباء كورونا. في ظل “إغلاق الكورونا” التي تفرضه إسرائيل قُلّصت أكثر الإمكانيات الضيقة أصلًا للحصول على تصريح. في أيار 2021، دمر أكبر عدوان على غزة منذ عام 2014 مناطق بأكملها في القطاع. لا تزال التقييدات الاسرائيلية المفروضة على التنقل تؤخر أعمال الإصلاح والاعمار والتنمية في قطاع غزة على حساب سكانه.
يُرجى الضغط على الخارطة لتكبيرها