مضى عامان منذ بدء العمليّة العسكرية “الجرف الصامد”، الأكثر دمويّة من بين العمليات العسكرية في قطاع غزة. مباشرة، ومع انتهاء العمليات العسكرية تعهّدت عشرات الدول، وإلى جانبها وزارة الأمن الإسرائيلية والمستوى السياسيّ في إسرائيل، بتقديم المساعدات لإعادة إعمار قطاع غزة، حيث كان الهدف المُعلن بناء ما جرى تدميره، وتوفير المساعدات لتعزيز الاقتصاد لرفاهيّة السكان في غزة وتحقيق الاستقرار للمدى البعيد في المنطقة. عامان مرا منذ ذلك الوقت وآن الأوان لمعاينة الوضع على أرض الواقع ولطرح السؤال: هل طرأ تحسن على حياة سكان القطاع؟ هل ثمة أفق أمل أمامهم؟
ثمة حقيقتان بارزتان:
أولًا، خلال العامين دخلت كميات من مواد بناء بغية نحو 11 ألف وحدة سكنيّة التي جرى تدميرها كليُّا، إضافة إلى 6,800 وحدة سكنيّة تضررت ولم تعد صالحة للسكن، وأكثر من 150 ألف وحدة سكنيّة أخرى تضررت بشكل جزئيّ، هذا بالإضافة إلى المباني الصناعيّة والتجاريّة والبنى التحتيّة وغيرها.
ثانيًا، ثمة العديد من الصعوبات التي تحول دون تعافي سكان قطاع غزة. نسب البطالة ما زالت مرتفعة جدًا؛ البُنى التحتيّة في حالة يرثى لها؛ الركود الاقتصاديّ؛ العزل المُستمر؛ إمكانيّات التنقّل لا زالت محدودة؛ نحو 75 ألف نسمة بدون مأوى نتيجة العملية العسكرية عام 2014؛ وحالة اليأس مُتفشية.

خلال العامين الماضيين، كانت قضيّة إعادة إعمار المباني وبناء الوحدات السكنيّة لعشرات آلاف السكّان الذين فقدوا منازلهم نتيجة القصف في مركز الاهتمام. إلا أنّ الرقابة على كميات مواد البناء الداخلة إلى القطاع وقياس وتيرة البناء، هي التي طغت على كل شيء. الأمر الذي أدّى في العديد من الحالات إلى صرف النظر عن سياسة إسرائيل الغامضة والمتقلبة بخصوص تصاريح السماح بدخول البضائع، وبخصوص ما يُسمح بتسويقه من غزة في أسواق الضفة وإسرائيل.
سرعة استخدام “الأسباب الأمنيّة” حتى ضد الكثيرين من بين الأقليّة التي تنطبق عليها المعايير الإسرائيلية الصارمة والضيّقة للمرور عبر معبر إيرز، وإيقاف خدمات البريد الحكوميّ، ومنع دخول مواد البناء لفترات مختلفة ومصادرة شحنات بضائع بأكملها في طرق دخولها إلى القطاع بحجة أنّ جزءًا قليلًا منها يثير الشبهات – جميع هذه الأمور هي عقوبات واضحة يجري اتخاذها وتطبيقها رغم أنها تعرقل عمليات إعادة الأعمار.
تواصل إسرائيل تطبيق قاعدة منع التنقّل بين جزأي الأرض الفلسطينية، قطاع غزة والضفة الغربيّة، عدا عن حالات استثنائية، وإمكانيات التنقّل أمام السكان بقيت قليلة. كما أنّ معبر رفح إلى مصر مغلق معظم أيام السنة، مما يؤدي إلى خسارة عشرات آلاف المسافرين عبره لإمكانيات مزاولة أعمالهم ودراساتهم أو الالتقاء مع أقاربهم خارج البلاد؛ تفرض إسرائيل العديد من التقييدات على دخول مواد ضرورة لإعادة الإعمار وللعديد من فروع الاقتصاد في غزة بحجة أنها ضمن قائمة المواد “ثنائية الاستخدام“، رغم أنها ضروريّة لترميم وبناء المصانع، والمباني، وشبكة الكهرباء، وشبكة المياه والصرف الصحيّ، ولفروع الاقتصاد جميعها.
وحول الفجوة المقلقة بين تصريحات أحد كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل الذي عبّر عن تأييده لإعادة إعمار قطاع غزة واقتصاده معتبرًا ذلك مصلحة إسرائيليّة أمنيّة، وبين ترجمة ذلك على أرض الواقع – حول ذلك كتبت المديرة العامة لجمعية “ﭼيشاه-مسلك” تانيا هاري في مقالها الذي نُشر (في اللغة العبرية) في صحيفة “هآرتس” عشية توقيع اتفاقية المصالحة التركيّة الإسرائيليّة:
“منذ عامين ونحن نسمع تصريحات كبار المسؤولين الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين المؤيدة لعمليّة النهوض في الاقتصاد الفلسطينيّ وقولهم أنّ أمن إسرائيل يرتبط في إعادة إعمار غزة. جميعهم يخطئون في نظرتهم الضيّقة إلى عمليّة أعادة الإعمار، باعتبارها إعادة بناء ما تم هدمه خلال 50 أيام القتال. إنّ إعادة الإعمار الحقيقيّة يجب أن تشمل الربط بين قطاع غزة والضفة الغربية، كي يستطيع السكان الازدهار وليس مجرد البقاء على قيد الحياة”.