عاملات في ورشة نسيج في غزة. لا نخاطر بإنتاج بضائع للتسويق في سوق محدود
سمحت إسرائيل، بعد العملية العسكرية “الجرف الصامد”، بتسويق بضائع معينة من قطاع غزة في أسواق الضفّة الغربية، ومن ضمنها النسيج والملابس. في شهر تشرين ثاني من العام 2014، انطلقت الشاحنة الأولى المحملة بالملابس من قطاع غزّة إلى الضفّة. وفي آذار من العام التالي تم السماح بتسويق محدود جدا للبضائع من غزة في إسرائيل، بما يشمل النسيج أيضًا.
شارك أربعة من المنتجين الذين كان عملهم بشكل أساسي في مجال تسويق البضائع لإسرائيل، في المجموعة البؤرية التي عقدناها قبل عامين. وحين عدنا للتواصل معهم اليوم، اتضح لنا بأن أحد هؤلاء قد قام بتسويق بضعة شحنات في إسرائيل، أما الآخرون فلم يتح لهم الأمر مطلقًا. وقد تحدّثنا، بناءً على ذلك، مع أحد الصناعيين الذي يسوق بضاعته في الضفّة، رغم عدم مشاركته في المجموعة البؤرية التي عقدناها قبل عامين.
الكميّات التي يتم تسويقها. حوالي ثلاث شاحنات تخرج من غزّة باتجاه الضفّة الغربية في كل شهر. لم تتحقق خلال العامان الماضيان توقّعات المشاركين في بحثنا، الذين قدّروا في العام 2014 بأنهم سيكونون قادرين على تصدير نحو 30 شاحنة من الأنسجة والملابس شهريًا. هذا يعني بأن عدد الشاحنات التي تخرج اليوم من القطاع تعادل نحو 10 بالمئة مما توقّعه التجّار.
بحسب تصريح رئيس اتحاد صناعة الأنسجة والملابس في غزّة، تيسير الأستاذ، فإن مجمل مدخول هذا القطاع التجاري قد بلغ في العام 2016 نحو 8 ملايين شاقل، وهو ما يشكل ارتفاعًا بنحو 60 بالمئة مقارنة مع العام 2015. وبحسب أقواله، فإن هنالك نحو 26 شركة تقوم بتسويق منتجاتها إلى الضفّة من ضمن الشركات الـ160 المسجلة في الاتحاد، عدا عن 18 شركة تقوم بتسويق بضائعها في إسرائيل. إن التسويق في إسرائيل لا يظهر في الإحصائيات التي تشير الى خروج الشاحنات إلى إسرائيل عبر معبر كرم أبو سالم، وذلك بسبب مشكلة إصدار فواتير المقاصة، ولذا فإن الشاحنات تخرج إلى الضفّة أولًا، حيث يتم استكمال جميع المعاملات الضريبية هنالك، ومن ثم تواصل البضائع طريقها باتجاه إسرائيل.
عدد العاملين. في العام 2000 عَمل في قطاع الأنسجة 37 ألف عاملاً؛ أما في العام 2005 فقد عمل في ذلك القطاع نحو 25 ألف. وتشير تقديرات اتحاد صناعة النسيج والملابس في قطاع غزة أن عدد العاملين في هذا القطاع الصناعي خلال العام 2015 قد راوح الـثلاثة آلاف عاملًا، وشكل ارتفاعًا مقارنة مع العام 2014 حيث عمل في هذا القطاع ما يُقارب 2,500 عامل وعاملة . وقد ارتفع عدد هؤلاء اليوم إلى خمسة آلاف عاملا، أي ما نسبته نحو 20 في المئة من عدد العاملين في هذا القطاع في العام 2005.
وكما أشار التجار قبل عامين، فإنهم ومن أجل أن يتمكنوا من التسويق والعودة إلى طاقة انتاجية تتراوح ما بين 40-50 بالمئة من الطاقة الانتاجية في فترة الذروة التي شهدها هذا القطاع، فعليهم أن يتعرفوا من جديد على السوق في الضفّة، وأن يجددوا علاقاتهم مع التجار هنالك. ليس من السهل التعرف على السوق بعد سنوات طويلة مُنعوا فيها من إقامة علاقات تجارية. إن التاجر يقوم بإرسال ما بين 500 إلى 1,000 قطعة في الطلبية الواحدة، وفي هذه الحالة فإنه من غير المربح له أن يموّل تكلفة النقل لوحده. إن نقل الحمولات عبر الشاحنات من المخزن في غزّة وصولا إلى حاجز ترقوميا قرب الخليل يكلف أكثر من 3,000 شيكل، ولذا فإن تجار غزّة يقومون بتجميع نقلياتهم ومن ثم يتقاسمون نفقاتها، وبذا يقومون بتوفير الكلفة العالية.
هذه الحالة قد تتغير للأسوأ بعد سحب إسرائيل آلاف التصاريح الخاصة بالتجار. ويشير رئيس الاتحاد، تيسير الأستاذ، إلى أن الفترة الأخيرة قد شهدت محاولات الاتحاد للالتقاء مع ممثلين في إسرائيل من أجل تحسين حالة التسويق وتعزيز العلاقات التجارية، لكن لأن تجار غزّة لم يعودوا يملكون تصاريحًا، فإن هذه اللقاءات قد تم إلغاؤها، وبناء عليه فإن التسويق إلى إسرائيل سيتأثر بشكل كبير.
نأمل التسويق في إسرائيل أيضًا
ماجد زقّوت، هو صاحب شركة الماجد لإنتاج الملابس الجاهزة، التي تنتج بنطلونات ومنتجات الجينز، ملابس الأطفال، وملابس شرعية للنساء. يعمل لدى ماجد 75 عاملا: “نحن نبيع في الضفّة ملابسًا شرعية، الجلابيب، منذ سُمح لنا بتسويق بضائعنا في الضفّة. الوضع الاقتصادي هنالك سيئ أيضًا، ولكننا رغم ذلك نجحنا بتطوير علاقات جديدة، ونحن نقوم بتسويق بضائعنا هنالك، حتى لو تم ذلك بكميات صغيرة”.
يقول زقوت بأنه وكنتيجة لقيامه بتسويق بضائعه للضفّة، ارتفع انتاج شركته وكذلك عدد العاملين فيها. فقبل السماح بتسويق البضائع في الضفّة، عمل في شركته ما بين 50 إلى 60 عاملا وعاملة. ويصل منسوب المبيعات في الضفّة اليوم إلى مبلغ يتراوح ما بين 100 إلى 200 ألف شيكل في الشهر الواحد، وذلك بحسب الموسم وحالة الطلب، هذه أرقام ليست ملحوظة، لكنها لا تزال أفضل من عدم البيع مطلقًا، يقول زقوت، وهكذا فإنه يرى في الأمر تحسنا وتطورا لشركته.
تعمل شركة الماجد مع وكيلًا رئيسيًا في الضفّة الغربية، حيث يقوم ببيع المنتجات إلى عدة شركات هنالك. وتقوم الشركة، تبعًا لذلك، ببيع ما بين 1,500 إلى 2,000 قطعة، أغلبها من العباءات. إن تسويق بنطلونات ومنتجات الجينز، المخصص لتلاميذ المدارس لم ينجح كما كان متوقعًا. ويقول زقوت بأنه وقبل فرض إسرائيل للإغلاق، كانت بنطلونات ومنتجات الجينز هي السبب الأساسي لنجاحه في الضفّة. لقد كان لديهم هنالك سوقًا واسعة جدًا، من الخليل إلى جنين، وقد كانت تجارته في غزّة حتى العام 2,000 قد ازدهرت بسبب قيامه بتسويق بضائعه للضفّة.
طريقة النقل. يقوم التجار بترتيب 20 صندوقًا كرتونيًا من الملابس على كل منصة خشبية (مشطاح)، يوضح لنا زقّوت. وفي كل صندوق كرتوني تدخل عشرة عباءات شتوية أو 18 عباءة صيفية. تبلغ كلفة المنصة الخشبية الواحدة (مشطاح) نحو 400 شيكل. وكانت كلفة النقل قبل فرض الإغلاق الإسرائيلي أقل بكثير، كما لم تكن هنالك، أساسًا، حاجة إلى إجراء تنسيق مسبق ومعقّد آنذاك.
ماجد زقوت، صاحب شركة لإنتاج الملابس، في مصنعه مع العمال. يعمل لديه 75 عاملاً ويقوم بتسويق بضائع للضفة الغربية
منذ أن سُمح بالتسويق للضفة عام 2015، ازداد عدد العمال في مصنع زقوت قليلاً وهو يلحظ تحسنًا، ويرى أفقًا لتطوير الشركة
نحن نبيع في الضفّة ملابسًا شرعية، الجلابيب، منذ سُمح لنا بتسويق بضائعنا في الضفّة. الوضع الاقتصادي هنالك سيئ أيضًا، ولكننا رغم ذلك نجحنا بتطوير علاقات جديدة، ونحن نقوم بتسويق بضائعنا هنالك، حتى لو تم ذلك بكميات صغيرة
"حاليًا ليس لدي شبكة العلاقات المطلوبة للتسويق في إسرائيل، لكني أستثمر الجهود المطلوب لبناء هذه العلاقات"
يقوم التجار بترتيب 20 صندوقًا كرتونيًا من الملابس على كل منصة خشبية (مشطاح)، يوضح لنا زقّوت. وفي كل صندوق كرتوني تدخل عشرة عباءات شتوية أو 18 عباءة صيفية. تبلغ كلفة المنصة الخشبية الواحدة نحو 400 شيكل. وكانت كلفة النقل قبل فرض الإغلاق الإسرائيلي أقل بكثير، كما لم تكن هنالك، أساسًا، حاجة إلى إجراء تنسيق مسبق ومعقّد آنذاك.
بالمعدل، نقوم بتسويق من 1,500 إلى 2,000 قطعة شهريًا إلى الضفة الغربية، بالأساس عباءات.
لا تقوم شركة الماجد بتسويق بضائعها، في هذه المرحلة، إلى إسرائيل. يقول زقوت بأنه ليس لديه شبكة العلاقات المطلوبة، وهو يصب جهودًا تجارية وشخصية من أجل العثور على شركات مناسبة في إسرائيل لغرض التسويق لها، وذلك من خلال اللقاءات والاجتماعات التي تتم عبر وساطة الاتحادات في كل من غزّة وإسرائيل. في هذه المرحلة، يركّز زقوت جهوده على مسألة استمرار التسويق إلى الضفّة، حيث توجد شبكة علاقاته.
محمد أبو شنب، صاحب مصنع أبو شنب للمنسوجات، والذي شغل في السابق منصب رئيس اتحاد صناعات النسيج في غزّة، كان يعمل لديه، في الماضي، عشرة عُمّال. أما اليوم، كما يقول، فإن انتاج مصنعه يبلغ 10 بالمائة من قدرته القصوى على الإنتاج. يركّز أبو شنب اهتمامه على السوق الإسرائيليّة، إلا أن “الوضع صعب للغاية. فمعظم المصانع والمنتجين لا يعملون تقريبا. إننا، سويًا، نسوّق ما لا يزيد على شاحنة واحدة أو اثنتين على الحد الأٌقصى شهريا”.
اخبرنا أبو شنب قبل عدة شهور عندما اجرينا معه المقابلة، بأنه لم يبدأ بعد في إنتاج بضائع مخصصة لفصل الشتاء، لأنه ما من جدوى. “لم يبدأ الشتاء بعد ولا يزال من غير الواضح إن كان سيكون هنالك طلب على البضائع”. “حين يكون وضع السوق صعبًا”، يقول أبو شنب، “فإن عليك ألا تخاطر وألا تنتج بضائعًا لا تدري إن كانت ستباع”.
“إن فترات رمضان، والأعياد، وموسم العودة إلى المدارس هي فترات من المفترض أن تكون مواسم جيدة للبيع. لم يحدث الأمر هذا العام. لم يكن لدي يوم واحد عملت فيه بأقصى طاقتي الإنتاجية أو بشكل متواصل. ليس هنالك طلب على البضائع، وفي الفترات التي تتوقع فيها أن تزدهر أعمالك فإنك تجد نفسك عاطلًا، مخذولًا، وقلقًا”.
المنع الأمني. “ينبغي على التجار من غزة أن يشجعوا تجار الضفّة والتجار الإسرائيليّين للعمل معهم لكي يكون لدى تجار غزة مكانًا يسوّقون إليه، أما الآن فإن الوضع قد بات صعبًا جدًا، وذلك بشكل خاص بسبب أوامر المنع الأمني التي تفرض على التجار، إلى جانب سحب تصاريح التجار. إن خروج التجار هو أمر ضروري من أجل استمرار عملهم، ومن أجل إجراء لقاءات مع زملائهم وبهدف تشجيع البيع وعقد الصفقات”.
كما جاء قبل عامين في المجموعة البؤرية، فإن أبو شنب أيضًا يشهد على أن الناس في الضفّة يميزون البضاعة القادمة من غزّة؛ جودتها أعلى من جودة البضائع الآتية من تركيا والصين، اللتان سيطرتا على السوق في فترة غياب المنتج من غزة.
يقوم أبو شنب أيضًا بتسويق بضائعه إلى إسرائيل. وحسب قوله، فإن التجار الإسرائيليّين معنيين بشراء البضائع منه ولكنهم قلقون من أن يتدهور الوضع الأمني وأن يؤثر، بذلك، على تدفّق البضائع. وقد قام خلال هذا العام بتزويد يهود متدينين بالبضائع: قبعات دينية، ربطات عنق، وكلسات للأطفال.
في أعقاب المشاكل التي اعترت التسويق المباشر إلى إسرائيل، وتلك المتعلقة بإصدار فواتير ضريبية، افتتح أبو شنب مصنعًا في الضفّة. وبين شهري شباط حتى حزيران من العام 2016 قام بتسويق بضائعه من هنالك إلى إسرائيل. ويدعي أبو شنب بأن العمال في الضفّة أقل خبرة وأقل مهنيّة من نظرائهم في غزّة، وإلى جانب ذلك، فإن أجورهم أكثر ارتفاعًا. وقد اتضح بأن مشروعه في الضفّة غير مُربح ولذا قام بإغلاقه.